القتل أو الموت في مظانه» (١).
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) تحريض لهم على الاتصاف بهذه الصفة الكريمة ، وهي صفة التقوى.
والمراد بالعلم هنا لازمه ، وهو مجازاتهم بالثواب الجزيل على تقواهم.
أى : والله ـ تعالى ـ عليم بهؤلاء الذين ملأت خشيته قلوبهم. وسيثيبهم على ذلك ثوابا يرضيهم.
هذا ، وقد استنبط العلماء من هذه الآية أنه ينبغي على المؤمن أن يقوم بأداء الأعمال الحسنة ، والأفعال الجميلة بدون تردد أو استئذان.
قال صاحب الانتصاف عند تفسيره لهذه الآية : وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقا ، فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدى له معروفا ، ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه طعاما ؛ فإن الاستئذان في أمثال هذه المواطن أمارة التكلف والتكره. وصلوات الله وسلامه على خليله إبراهيم ، فقد بلغ من كرمه وأدبه مع ضيوفه أنه كان لا يتعاطى شيئا من أسباب التهيؤ للضيافة بمرأى منهم ، فلذلك مدحه الله ـ تعالى ـ : بهذه الخلة الجميلة ، فقال : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ..) أى : ذهب على خفاء منهم ، كيلا يشعروا به .. (٢).
وقال صاحب المنار : وقد استنبط من الآية أنه لا ينبغي الاستئذان في أداء شيء من الواجبات ، ولا في الفضائل والفواضل من العادات ، كقرى الضيف ، وإغاثة الملهوف ، وسائر عمل المعروف.
ويعجبني قول بعض العلماء ما معناه : من قال لك أتأكل؟ هل آتيك بكذا من الفاكهة مثلا؟ فقل له : لا فإنه لو أراد أن يكرمك لما استأذنك (٣).
ثم بين سبحانه ـ الصفات التي يعرف بها المنافقون ، بعد بيانه للصفات التي يعرف بها المؤمنون الصادقون فقال : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ ..).
أى : إنما يستأذنك ـ يا محمد ـ في القعود عن الجهاد أولئك الذين من صفاتهم أنهم لا يؤمنون بالله إيمانا كاملا ، ولا يؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب إيمانا يقينيا.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١١٠.
(٢) حاشية الكشاف ج ٣ ص ٢٧٤ ـ طبعة دار الكاتب العربي ببيروت.
(٣) تفسير المنار ج ١٠ ص ٤٥٤.