ثم عاتب الله : تعالى. نبيه صلىاللهعليهوسلم عتابا رقيقا لأنه أذن للمنافقين بالتخلف عن الجهاد حين طلبوا منه ذلك ، دون أن يتبين أحوالهم فقال. تعالى.
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ)(٤٣)
قال ابن كثير. قال مجاهد. نزلت هذه الآية في أناس قالوا : استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن أذن لكم فاقعدوا. وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
والعفو : يطلق على التجاوز عن الذنب أو التقصير ، كما يطلق على ترك المؤاخذة على عدم فعل الأولى والأفضل ، وهو المراد هنا.
والمعنى : عفا الله عنك يا محمد ، وتجاوز عن مؤاخذتك فيما فعلته مع هؤلاء المنافقين من سماحك لهم بالتخلف عن الجهاد معك في غزوة تبوك ، حين اعتذروا إليك بالأعذار الكاذبة ، وكان الأولى بك أن تتريث وتتأنى في السماح لهم بالتخلف ، حتى يتبين لك الذين صدقوا في اعتذارهم من الذين كذبوا فيه ، فقد كانوا ـ إلا قليلا منهم ـ كاذبين في معاذيرهم ، وكانوا مصرين على القعود عن الجهاد حتى ولو لم تأذن لهم به.
وقدم سبحانه. العفو على العتاب. وهو قوله : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) ـ للإشارة إلى المكانة السامية التي له صلىاللهعليهوسلم عند ربه.
قال بعض العلماء : هل سمعتم بعتاب أحسن من هذا؟ لقد خاطبه سبحانه بالعفو قبل أن يذكر المعفو عنه.
وقال العلامة أبو السعود ما ملخصه : وعبر ـ سبحانه ـ عن الفريق الأول بالموصول الذي صلته فعل دال على الحدوث ، وعن الفريق الثاني باسم الفاعل المفيد للدوام ، للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث في أمر خاص غير مصحح لنظمهم في سلك الصادقين ، وبأن ما صدر من الآخرين ، وإن كان كذبا حادثا متعلقا بأمر خاص لكنه أمر جار على عادتهم المستمرة ، ناشئ عن رسوخهم في الكذب.
وعبر عن ظهور الصدق بالتبين ، وعما يتعلق بالكذب بالعلم ، لما هو المشهور من أن مدلول الخبر هو الصدق ، والكذب احتمال عقلي ، فظهور صدق الخبر إنما هو تبين ذلك المدلول ، وانقطاع احتمال نقيضه بعد ما كان محتملا له احتمالا عقليا. وأما كذبه فأمر حادث لا دلالة