أى : لو يعلم أحد هؤلاء المتخلفين عن صلاة العشاء في جماعة ، أنه يجد عند حضور صلاتها في جماعة شيئا من اللحم لحضرها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من الجهاد فقال : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ).
أى. وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله ـ كذبا وزورا ـ قائلين. لو استطعنا أيها المؤمنون أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا : فاننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين ، فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف!!
وأتى ـ سبحانه ـ بالسين في قوله : (وَسَيَحْلِفُونَ) لأنه من قبيل الإخبار بالغيب. فقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه صلىاللهعليهوسلم من تبوك. وحلفهم هذا كان بعد رجوعه منها.
قال الفخر الرازي : قالوا : الرسول صلىاللهعليهوسلم أخبر عنهم أنهم سيحلفون ، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل ، والأمر لما وقع كما أخبر كان هذا إخبارا عن الغيب فكان معجزا ، (١).
والمراد بالاستطاعة في قوله : «لو استطعنا» : وجود وسائل للجهاد معهم ، من زاد وعدة وقوة في البدن ، وغير ذلك مما يستلزمه الجهاد في سبيل الله.
وقوله : (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) ساد مسد جوابي القسم والشرط.
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء مصيرهم بسبب كذبهم ونفاقهم فقال : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) :
أى. أن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد يهلكون أنفسهم بسبب حلفهم الكاذب ، وجرأتهم على الله. تعالى. في اختلاق المعاذير الباطلة ، مع أنه. سبحانه. يعلم إنهم لكاذبون في أيمانهم ، وفيما انتحلوه من أعذار.
قال ابن جرير قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) ، لأنهم كانوا للخروج مطيقين ، بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الأموال ، مما يحتاج إليه الغازي في غزوة ، وصحة الأبدان ، وقوة الأجسام (٢).
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ، أن الأيمان الكاذبة تؤدى إلى الخسران والهلاك : وفي الحديث الشريف : «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع؟؟؟».
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٤٣.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٢٧١ طبعة دار المعارف. تحقيق محمود شاكر.