أما جزاؤهم في الآخرة فهو العذاب الأليم الذي لا يخف ولا ينقطع.
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت جانبا من طبائع المنافقين وردت عليهم بما يفضحهم ويخزيهم ويبشرهم بالعذاب الأليم.
ثم عقب الله ـ تعالى ـ هذا الحكم عليهم بالعذاب الأليم ، بحكم آخر وهو عدم المغفرة لهم بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق ، فقال ـ تعالى ـ :
(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٨٠)
قال الجمل : قال المفسرون : لما نزلت الآيات المتقدمة في المنافقين ، وفي بيان نفاقهم ، وظهر أمرهم للمؤمنين ، جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعتذرون إليه ، ويقولون : استغفر لنا فنزلت هذه الآية.
وهذا كلام خرج مخرج الأمر ومعناه الخبر ، والتقدير : استغفارك وعدمه لهم سواء (١).
وإنما جاء هذا الخبر هنا في صورة الأمر للمبالغة في بيان استوائهما.
وقد جاء هذا الحكم في صورة الخبر في موضع آخر هو قوله ـ تعالى ـ (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢).
والمقصود بذكر السبعين في قوله : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) إرادة التكثير ، والمبالغة في كثرة الاستغفار ، فقد جرت عادة العرب في أساليبهم على استعمال هذا العدد للتكثير لا للتحديد ، فهو لا مفهوم له.
ونظيره قوله ـ تعالى ـ (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً ..) (٣).
أى : مهما استغفرت لهم يا محمد فلن يغفر الله لهم.
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) بيان للأسباب التي أدت إلى عدم مغفرة الله لهم.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٠٤.
(٢) سورة «المنافقون» الآية ٦.
(٣) سورة الحاقة الآية ٣٢.