والمعنى ؛ يا أيها الذين آمنوا حق الإيمان ، أطيعوا الله ورسوله في كل أحوالكم ، (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) أى ولا تعرضوا عنه ، فإن في إعراضكم عنه خسارة عظيمة لكم في دنياكم وآخرتكم.
قال الآلوسى : «وأعيد الضمير إليه صلىاللهعليهوسلم ، لأن المقصود طاعته ، وذكر طاعة الله ـ تعالى ـ توطئة لطاعته ، وهي مستلزمة لطاعة الله ـ تعالى ـ ، لأنه مبلغ عنه ، فكان الراجع إليه صلىاللهعليهوسلم كالراجع إلى الله ـ تعالى ـ» (١).
وقوله : (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) جملة حالية مسوقة لتأكيد وجوب الانتهاء عن التولي مطلقا ، لا لتقييد النهى عنه بحال السماع.
أى أطيعوا الله ورسوله ـ أيها المؤمنون ـ ولا تتولوا عنه والحال أنكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته ، والمواعظ الزاجرة عن مخالفته وقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) تأكيد لما قبله ، ونهى لهم عن التشبه بالضالين.
أى أطيعوا الله ورسوله في كل أحوالكم عن إخلاص وإذعان ، ولا تقصروا في ذلك في وقت من الأوقات ، وإياكم أن تتشبهوا بأولئك الكافرين والمنافقين الذين ادعوا السماع فقالوا سمعنا ، والحال أنهم لم يسمعوا سماع تدبر واتعاظ ، لأنهم لم يصدقوا ما سمعوه ، ولم يتأثروا به. بل نبذوه وراء ظهورهم.
فالمنفى في قوله ـ تعالى ـ (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) سماع خاص ، وهو سماع التدبر والاتعاظ ، لكنه جيء به على سبيل الإطلاق ، للإشعار بأنهم قد نزلوا منزلة من لم يسمع أصلا ، بجعل سماعهم بمنزلة العدم ، حيث إنه سماع لا وزن له ، ولا فائدة لهم من ورائه ، مع أنهم لو فتحوا آذانهم وقلوبهم للحق لاستفادوا ، ولكنهم آثروا الغي على الرشد.
ثم وصف ـ سبحانه ـ الكفار والمنافقين وأشباههم وصفا يحمل العقلاء على النفور منهم ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ..).
والدواب : جمع دابة وهي كل ما يدب على الأرض. قال ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ..) (٢).
قال الجمل : «وإطلاق الدابة على الإنسان لما ذكروه في كتب اللغة من أنها تطلق على كل حيوان ولو آدميا ، وفي المصباح : الدابة كل حيوان في الأرض مميزا أو غير مميز» (٣).
وقد روى أن هذه الآية نزلت في نفر من بنى عبد الدار ، كانوا يقولون : نحن صم بكم عما
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٧٨.
(٢) سورة النور الآية ٤٥.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٣٦.