وقوله : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) معطوف على ما قبله ، والتربص : الانتظار والترقب والدوائر : جمع دائرة. وهو ما يحيط بالإنسان من مصائب ونكبات ، كما تحيط الدائرة بالشيء الذي بداخلها.
أى : أنهم بجانب اعتبارهم ما ينفقونه غرامة وخسارة ، ينتظرون بكم ـ أيها المؤمنون ـ صروف الدهر ونوائبه التي تبدل حالكم من الخير إلى الشر ومن النصر إلى الهزيمة ، ومن الصحة إلى المرض والأسقام ، ومن الأمان والاطمئنان إلى القلق والاضطراب ..
وقوله : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) جملة معترضة ، جيء بها للدعاء عليهم.
أى : عليهم لا عليكم ـ أيها المؤمنون ـ تدور دائرة السوء ، التي يتبدل بها حالهم إلى الهلاك والفساد.
والسوء ـ بفتح السين ـ مصدر ساءه يسوءه سوءا ، إذا فعل به ما يكره ، والسوء ـ بالضم ـ اسم منه. وقيل المفتوح بمعنى الذم ، والمضموم بمعنى العذاب والضرر.
وإضافة الدائرة إلى السوء من إضافة الموصوف إلى صفته للمبالغة ، كما في قولهم : رجل صدق.
وفي هذا التعبير ما فيه من الذم لهؤلاء المنافقين ، لأنه ـ سبحانه ـ جعل السوء كأنه دائرة تطبق عليهم فلا تفلتهم ، وتدور بهم فلا تدع لهم مهربا أو منجاة من عذابها وضررها.
وقوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) تذييل قصد به تهديدهم وتحذيرهم بما ارتكسوا فيه من نفاق وكفر وشقاق.
والله تعالى ـ «سميع» لكل ما يتفوهون به من أقوال ، «عليم» بكل ما يظهرونه وما يبطنونه من أحوال ، وسيحاسبهم على ما صدر منهم حسابا عسيرا يوم القيامة : وينزل بهم العقاب الذي يناسب جرائمهم ..
وبعد أن ذكر ـ سبحانه ـ حال هؤلاء الأعراب المنافقين ، أتبعه ببيان حال المؤمنين الصادقين منهم فقال : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
أى : ومن الأعراب قوم آخرون من صفاتهم أنهم يؤمنون بالله إيمانا صادقا ، ويؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب.
وقوله : (وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) مدح لهم على إخلاصهم وسخائهم وطاعتهم ...
والقربات : جمع قربة وهي ما يتقرب به الإنسان إلى خالقه من أعمال الخير ، والمراد