بصلوات الرسول : دعواته للمتقربين إلى الله بالطاعة.
أى : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانا حقا ، ويعتبر كل ما ينفقه في سبيل الله وسيلة للتقرب إليه ـ سبحانه ـ وتعالى بالطاعة ، ووسيلة للحصول على دعوات الرسول صلىاللهعليهوسلم له بالرحمة والمغفرة ، وبحسنات الدنيا والآخرة.
ولقد كان من عادة النبي صلىاللهعليهوسلم أن يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ، فقد ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا لآل أبى أوفى عند ما تقدموا إليه بصدقاتهم فقال : «اللهم صل على آل أبى أوفى» أى : ارحمهم وبارك لهم في أموالهم ..
وقوله : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) شهادة لهم منه سبحانه ـ بصدق إيمانهم ، وخلوص نياتهم ، وقبول صدقاتهم.
والضمير في قوله (إِنَّها) يعود على النفقة التي أنفقوها في سبيل الله و (أَلا) أداة استفتاح جيء بها لتأكيد الخبر والاهتمام به. أى : ألا إن هذه النفقات التي تقربوا بها إلى الله ، مقبولة عنده ـ سبحانه ـ قبولا مؤكدا ، وسيجازيهم عليها بما يستحقون من أجر جزيل ...
وقوله (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) وعد لهم بإحاطة رحمته بهم. والسين للتحقيق والتأكيد.
أى : أن هؤلاء المؤمنين بالله واليوم الآخر ، والمتقربين إليه سبحانه بالطاعات ، سيغمرهم الله تعالى برحمته التي لا شقاء معها.
قال صاحب الكشاف : وقوله : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات ، وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفى التنبيه والتحقيق المؤذنتين بثبات الأمر وتمكنه ، وكذلك قوله : (سَيُدْخِلُهُمُ) وما في السين من تحقيق الوعد. وما أدل هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين ، وأن الصدقة منه بمكان ، إذا خلصت النية من صاحبها (١).
وقوله : «إن الله غفور رحيم» تذييل مقرر لما قبله على سبيل التعليل.
أى : إن الله تعالى ـ واسع المغفرة ، كثير الرحمة للمخلصين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت من يستحق الذم من الأعراب ومدحت من يستحق المدح منهم ، وبينت مصير كل فريق ليكون عبرة للمعتبرين وذكرى للمتذكرين.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣١٤.