إنهم لا يفعلون شيئا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) أى : إلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح ، ينالون بسببه الثواب الجزيل من الله ، لأنه ـ سبحانه ـ (لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وإنما يكافئهم على إحسانهم بالأجر العظيم.
وقوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ..) معطوف على ما قبله.
أى : وكذلك لا يتصدقون بصدقة صغيرة ، كالتمرة ونحوها ، ولا كبيرة كما فعل عثمان ـ رضى الله عنه ـ في هذه الغزوة ، فقد تصدق بالكثير.
(وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) من الوديان في مسيرهم إلى عدوهم ، أو في رجوعهم عنه.
لا يفعلون شيئا من ذلك أيضا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) أى : إلا كتب لهم ثوابه في سجل حسناتهم.
(لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى : أمرهم بمصاحبة نبيهم في كل غزواته ، وكلفهم بتحمل مشاق الجهاد ومتاعبه. ليجزيهم على ذلك أحسن الجزاء وأعظمه ، فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد حرض المؤمنين على الجهاد في هاتين الآيتين ، وبين لهم أن كل ما يلاقونه في جهادهم من متاعب له ثوابه العظيم ، وما دام الأمر كذلك فعليهم أن يصاحبوا رسولهم صلىاللهعليهوسلم في جميع غزواته ، لأن التخلف عنه لا يليق بالمؤمنين الصادقين ، فضلا عن أن هذا التخلف ـ بدون عذر شرعي ـ سيؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة.
وبعد أن حرض الله ـ تعالى ـ المؤمنين على الجهاد في سبيله ، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع رسوله صلىاللهعليهوسلم أتبع ذلك بالحديث عما يجب عليهم إذا لم تكن المصلحة تقتضي النفير العام ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١٢٢)
قال الجمل : وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما بالغ في الكشف عن عيوب المنافقين ، وفضحهم في تخلفهم عن غزوة تبوك. قال المسلمون : والله لا نتخلف عن رسول