نعيم ، ولا يسامى شرفه شرف ..
وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بشرتا المؤمنين والمؤمنات بأعظم البشارات ، ووصفتهم بأشرف الصفات ، وقابلت بين جزائهم وبين جزاء الكفار والمنافقين ، بما يحمل العاقل على أن يسلك طريق المؤمنين ، وعلى أن ينهج نهجهم ، ويتحلى بأوصافهم ... وبذلك يفوز بنعيم الله ورضاه كما فازوا ، ويسعد كما سعدوا ، وينجو من العذاب الذي توعد الله به المنافقين والكافرين ، بسبب إصرارهم على الكفر والنفاق ، وإيثارهم الغىّ على الرشد.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بمجاهدة الكفار والمنافقين بكل وسيلة ، لأنهم جميعا لا يريدون الانتهاء عن المكر السيئ بالدعوة الإسلامية فقال ـ تعالى ـ :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٧٣)
وقوله ـ سبحانه ـ (جاهِدِ) من المجاهدة ، بمعنى بذل الجهد في دفع ما لا يرضى ، سواء أكان ذلك بالقتال أم بغيره.
وقوله : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) من الغلظة التي هي نقيض الرقة والرأفة. يقال أغلظ فلان في الأمر إذا اشتد فيه ولم يترفق.
ونحن عند ما نقرأ السيرة النبوية ، نجد أنه صلىاللهعليهوسلم بعد هجرته إلى المدينة ، ظل فترة طويلة يلاين المنافقين ، ويغض الطرف عن رذائلهم. ويصفح عن مسيئهم .. إلا أن هذه المعاملة الحسنة لهم زادتهم رجسا إلى رجسهم .. لذا جاءت هذه السورة ـ وهي من أواخر ما نزل من القرآن لتقول للنبي صلىاللهعليهوسلم لقد آن الأوان لإحلال الشدة والحزم ، محل اللين والرفق ، فإن للشدة مواضعها وللين مواضعه ..
والمعنى : عليك ـ أيها النبي الكريم ـ أن تجاهد الكفار بالسيف إذا كان لا يصلحهم سواه ، وأن تجاهد المنافقين ـ الذين يظهرون الإسلام ويخفون الكفر ـ بما تراه مناسبا لردهم وزجرهم وإرهابهم ، سواء أكان ذلك باليد أم باللسان أم بغيرهما ، حتى تأمن شرهم.
قال الإمام ابن كثير ، أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بجهاد الكفار والمنافقين ، كما أمره أن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين .. وقد تقدم عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب أنه قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأربعة أسياف. سيف للمشركين (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ...) وسيف للكفار أهل الكتاب (قاتِلُوا الَّذِينَ