فالله أحق أن تخشاه ، لكونه في غاية القدرة والكبرياء والجلالة ..
الرابع : أن قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) معناه : إن كنتم مؤمنين إيمانا حقا ، وجب عليكم أن تقدموا على هذه المقاتلة ومعناه : أنكم إذا لم تقدموا لا تكونوا كذلك ، فثبت أن هذا الكلام مشتمل على سبعة أنواع من الأمور التي تحملهم على مقاتلة أولئك الكفار الناقضين للعهد (١).
ثم أمرهم ـ سبحانه ـ أمرا صريحا قاطعا بمقاتلة المشركين. ورتب على هذه المقاتلة خمسة أنواع من الفوائد فقال : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ).
أى : أقدموا على قتالهم وباشروه بشجاعة وإخلاص كما أمركم ربكم ، فإنكم متى فعلتم ذلك (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) بسبب ما تنزلونه بهم من قتل وأسر وجراحات بليغة ، واغتنام للأموال.
وأسند ـ سبحانه ـ التعذيب إليه ، لأنه أمر زائد على أسبابه من الطعن والضرب وما يفضيان إليه من القتل والجرح .. والأسر. تلك هي الفائدة الأولى من قتالهم.
أما الفائدتان الثانية والثالثة فتتجليان في قوله. تعالى. (وَيُخْزِهِمْ ؛ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ).
أى : ويخزهم بسبب ما ينزل بهم من هزيمة وهوان وهم يتفاخرون بقواتهم وبأسهم ، وينصركم عليهم بأن يجعل كلمتكم هي العليا وكلمتهم هي السفلى.
قال الإمام الرازي : فإن قالوا : لما كان حصول ذلك الخزي مستلزما لحصول هذا النصر ، كان إفراده بالذكر عبثا؟
فتقول : ليس الأمر كذلك ، لأنه من المحتمل أن يحصل الخزي لهم من جهة المؤمنين ، إلا أن المؤمنين قد تحصل لهم آفة لسبب آخر ، فلما قال : (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) دل على أنهم ينتفعون بهذا النصر والفتح والظفر» (٢).
والفائدة الرابعة بينها ـ سبحانه ـ في قوله. (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).
أى : أنكم بقتالكم لهم وانتصاركم عليهم ، تشفون قلوب جماعة من المؤمنين من غيظها المكظوم ، لأن هذه الجماعة قد لقيت ما لقيت من أذى المشركين وظلمهم وغدرهم .. فكان انتصاركم عليهم شفاء لصدورهم.
قالوا : والمراد بهؤلاء القوم بنو خزاعة الذين غدر بهم بنو بكر بمساعدة قريش.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٢٣٥ ـ بتصرف يسير.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ٢ طبعة عبد الرحمن محمد سنة ١٩٣٨.