ويشعر بهذا الإرشاد تصديره ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ..) كما يشعر به قوله ـ تعالى ـ (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ ..) ، فإن كل ذلك فيه معنى الحض على إخلاص النية لله ـ تعالى ـ والامتثال لحكمه ، والمداومة على شكره ، حيث منحهم ـ سبحانه ـ هذه النعم بفضله وإحسانه.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : فإن قلت : بم تعلق قوله (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) : قلت بمحذوف يدل عليه قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ..) والمعنى : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به ، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة. وليس المراد بالعلم المجرد ، ولكنه العلم المضمن بالعمل ، والطاعة لأمر الله ـ تعالى ـ ، لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر (١).
هذه بعض المسائل والأحكام التي استنبطناها من الآية الكريمة ، وهناك مسائل وأحكام أخرى تتعلق بها ذكرها بعض المفسرين فارجع إليها إن شئت (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض مظاهر فضله وحكمه في غزوة بدر ، فبين الأماكن التي نزل فيها كل فريق ، كما بين الحكمة في لقاء المؤمنين والكافرين على غير ميعاد ، والحكمة في تقليل كل فريق منهما في عين الآخر ... فقال تعالى :
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٢٢.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ٨ من ص ١ إلى ص ٢٠.