يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٤٤)
قوله : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا ..) بدل من قوله (يَوْمَ الْفُرْقانِ ..) أو معمول لفعل محذوف. والتقدير : اذكروا.
والعدوة ـ مثلثة العين ـ جانب الوادي وحافته. وهي من العدو بمعنى التجاوز سميت بذلك لأنها عدت .. ـ أى منعت ـ ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوزها.
والدنيا : تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب. والقصوى : تأنيث الأقصى بمعنى الأبعد. والركب : اسم جمع لراكب ، وهم العشرة فصاعدا من راكبي الإبل.
قال القرطبي : ولا تقول العرب : ركب إلا للجماعة الراكبى الإبل ..
والمراد بهذا الركب : أبو سفيان ومن معه من رجال قريش الذين كانوا قادمين بتجارتهم من بلاد الشام ومتجهين بها إلى مكة ، فلما بلغ النبي صلىاللهعليهوسلم أمرها ، أشار على أصحابه بالخروج لملاقاته ، كما سبق أن بينا عند تفسيرنا لقوله ـ تعالى ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ..).
والمعنى : اذكروا ـ أيها المؤمنون ـ وقت أن خرجتم إلى بدر ، فسرتم إلى أن كنتم (بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) أى : بجانب الوادي وحافته الأقرب إلى المدينة ، وكان أعداؤكم الذين قدموا لنجدة العير (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) أى : بالجانب الآخر الأبعد من المدينة ، وكان أبو سفيان ومن معه من حراس العير (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أى : في مكان أسفل من المكان الذي أنتم فيه ، بالقرب من ساحل البحر الأحمر ، على بعد ثلاثة أميال منكم.
قال الجمل : قوله (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) الأحسن في هذه الواو ، والواو التي قبلها الداخلة على (هُمْ) أن تكون عاطفة ما بعدها على (أَنْتُمْ) لأنها مبدأ تقسيم أحوالهم وأحوال عدوهم ويجوز أن يكونا واو حال ، وأسفل منصوب على الظرف النائب عن الخبر ، وهو في الحقيقة صفة لظرف مكان محذوف. أى : والركب في مكان أسفل من مكانكم وكان الركب على ثلاثة أميال من بدر ..» (١).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٦.