أمكنكم فعله من إعداد الآلات والأدوات ، فإنكم لا تعجزون الله بل الله هو الذي يعجزكم ، لأنكم حيث كنتم فأنتم في ملكه وتحت سلطانه .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك الموعد الذي تعلن فيه هذه البراءة من المشركين حتى لا يكون لهم عذر بعد هذا الإعلان فقال ـ تعالى ـ :
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ...).
الأذان : الإعلام تقول : آذنته بالشيء إذا أعلمته به. ومنه الأذان للصلاة أى الإعلام بحلول وقتها. وهو بمعنى الإيذان كما أن العطاء بمعنى الإعطاء.
قال الجمل : وهو مرفوع بالابتداء. و (مِنَ اللهِ) إما صفته أو متعلق به (إِلَى النَّاسِ) الخبر ، ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف. أى : وهذه ، أى : الآيات الآتي ذكرها إعلام من الله ورسوله ... (٢).
والمعنى : وهذه الآيات إيذان وإعلان من الله ورسوله إلى الناس عامة يوم الحج الأكبر بأن الله ورسوله قد برئا من عهود المشركين ، وأن هذه العهود قد نبذت إليهم ، بسبب إصرارهم على شركهم ونقضهم لمواثيقهم.
وأسند ـ سبحانه ـ الأذان إلى الله ورسوله ، كما أسندت البراءة إليهما ، إعلاء لشأنه وتأكيدا لأمره :
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أى فرق بين معنى الجملة الأولى والثانية؟ قلت : تلك إخبار بثبوت البراءة ، وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت.
فإن قلت : لم علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين وعلق الأذان بالناس؟ قلت : لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم وأما الأذان فعام لجميع الناس «من عاهد ومن لم يعاهد ، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث (٣)».
واختير يوم الحج الأكبر لهذا الإعلام ، لأنه اليوم الذي يضم أكبر عدد من الناس يمكن أن يذاع الخبر عن طريقهم في جميع أنحاء البلاد.
وأصح ما قيل في يوم الحج الأكبر أنه يوم النحر. وقيل : هو يوم عرفة ، وقيل : هو جميع أيام الحج.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٢٢٠.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٦٥.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٤٤.