الإيمان ـ أيها المنافقون ـ ، حيث يسمع منكم ، ويقبل إيمانكم الظاهر ، ولا يكشف أسراركم ، ولا يفضحكم ، ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين ، مراعاة لما رأى الله من المصلحة في الإبقاء عليكم ... (١).
وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) تذييل قصد به تهديدهم وزجرهم عن التعرض لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بأية إساءة.
أى : والذين يؤذون رسول الله بأى لون من ألوان الأذى ، لهم عذاب أليم في دنياهم وآخرتهم ؛ لأنهم بإيذائهم له يكونون قد استهانوا بمن أرسله الله رحمة للعالمين.
ثم حكى القرآن بعد ذلك لونا من جبنهم وعجزهم عن مصارحة المؤمنين بالحقائق ، فقال ـ سبحانه ـ :
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ)(٦٣)
قال القرطبي : روى أن قوما من المنافقين اجتمعوا ، وفيهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس ، فحقروه وتكلموا فقالوا : إن كان ما يقوله محمد حقا لنحن شر من الحمير. فغضب الغلام وقال : والله إن ما يقوله محمد صلىاللهعليهوسلم لحق ، ولأنتم شر من الحمير. ثم أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بقولهم فحلفوا إن عامرا كاذب.
فقال عامر : هم الكذبة ، وحلف على ذلك وقال : اللهم لا تفرق بيننا حتى يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب. فأنزل الله هذه الآية (٢).
فقوله ـ سبحانه ـ : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) خطاب للمؤمنين الذين كان المنافقون يذكرونهم بالسوء ، ثم يأتون إليهم بعد ذلك معتذرين.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٩٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٩٣ ـ بتصرف يسير ـ