وجوه : أحدها أنه مبتدأ والخبر محذوف أى : ورسوله برىء منهم ، وإنما حذف للدلالة عليه. والثاني أنه معطوف على الضمير المستتر في الخبر ... والثالث : أنه معطوف على محل اسم أن (١) ...».
ثم أردف ـ سبحانه ـ هذا الإعلام بالبراءة من عهود المشركين بترغيبهم في الإيمان وتحذيرهم من الكفر والعصيان فقال : (فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
أى : فإن تبتم أيها المشركون من كفركم ، ورجعتم إلى الإيمان بالله وحده واتبعتم ما جاءكم به محمد صلىاللهعليهوسلم فهو أى المتاب والرجوع إلى الحق (خَيْرٌ لَكُمْ) من التمادي في الكفر والضلال : (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) وأعرضتم عن الإيمان ، وأبيتم إلا الإقامة على باطلكم (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أى : فأيقنوا أنكم لا مهرب لكم من عقاب الله ، ولا إفلات لكم من أخذه وبطشه ، لأنكم أينما كنتم فأنتم في قبضته وتحت قدرته.
وقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) تذييل قصد به تأكيد زجرهم عن التولي والإعراض عن الحق.
أى : وبشر ـ يا محمد ـ هؤلاء الذين كفروا بالحق لما جاءهم بالعذاب الأليم في الآخرة بعد إنزال الخزي والمذلة بهم في الدنيا.
ولفظ البشارة ورد هنا على سبيل الاستهزاء بهم ، كما يقال : تحيتهم الضرب ، وإكرامهم الشتم.
وقوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) استثناء من المشركين في قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
والمعنى : اعلموا. أيها المؤمنون أن الله ورسوله بريئان من عهود المشركين بسبب نقضهم لها ، لكن الذين عاهدتموهم منهم ولم ينقضوا عهودهم ، ولم ينقصوكم شيئا من شروط العهد ، ولم يعاونوا عليكم أحدا من الأعداء ، فهؤلاء أتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ولا تعاملوهم معاملة الناكثين.
فالآية الكريمة تدل على أن المراد بالمشركين الذين تبرأ الله ورسوله منهم وأعطوا مهلة الأربعة الأشهر ، هم أولئك الذين عرفوا بنقض العهود.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٦٤.