أما الذين عاهدوا ووفوا بعهودهم ، فإن هؤلاء يجب إتمام عهدهم إلى مدتهم وفاء بوفاء ، وكرامة بكرامة.
وعبر ـ سبحانه ـ بثم في قوله : (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادى المدة وتطاولها.
وقراءة الجمهور (يَنْقُصُوكُمْ) بالصاد المهملة ، وعليها يجوز أن يتعدى لواحد فيكون شيئا منصوبا على المصدرية أى : لم ينقصوكم شيئا من النقصان لا قليلا ولا كثيرا ، ويجوز أن يتعدى لاثنين فيكون شيئا مفعوله الثاني ، أى : لم ينقصوكم شيئا من شروط العهد بل أدوها بتمامها.
وقرأ عطاء بن السائب الكوفي وعكرمة وأبو زيد ثم لم ينقضوكم بالضاد المعجمة وهي على حذف مضاف أى : ثم لم ينقضوا عهدكم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وفي تنكير كلمة «شيئا» وكلمة «أحدا» دلالة على أن انتقاص المعاهدة ولو شيئا يسيرا ، وأن معاونة الأعداء بأى وسيلة مهما قلت ... كل ذلك مبيح لنبذ العهد ، لأن الخيانة الصغيرة كثيرا ما تؤدى إلى الخيانة الكبيرة.
قالوا : والمراد بهؤلاء الذين أمر المسلمون بإتمام عهدهم معهم : بنو ضمرة وبنو مدلج وهم من قبائل بنى بكر وكان قد بقي من عهدهم تسعة أشهر ، ولم ينقضوا مواثيقهم.
وقوله (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) تذييل قصد به التعليل لوجوب الامتثال ، والتنبيه على أن الوفاء بالعهد إلى نهايته مع الموفين بعهدهم من تقوى الله التي يحبها لعباده ويحبهم بسببها.
قال صاحب المنار : والآية تدل على أن الوفاء بالعهد من فرائض الإسلام مادام العهد معقودا ، وعلى أن العهد المؤقت لا يجوز نقضه إلا بانتهاء وقته وأن شرط وجوب الوفاء به علينا محافظة العدو المعاهد لنا عليه بحذافيره.
فإن نقص شيئا ما من شروط العهد ، وأخل بغرض ما من أغراضه عد ناقضا ، لقوله ـ تعالى ـ (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) ، ولفظ شيء أعم الألفاظ وهو نكرة في سياق النفي فيصدق بأدنى إخلال بالعهد.
ومن الضروري أن من شروطه التي ينتقض بالإخلال بها ، عدم مظاهرة أحد من أعدائنا وخصومنا علينا ، وقد صرح بهذا للاهتمام به ، وإلا فهو يدخل في عموم ما قبله ، وذلك أن الغرض الأول من المعاهدات ترك قتال كل من الفريقين المتعاهدين للآخر ، فمظاهرة أحدهما لعدو الآخر ، أى معاونته ومساعدته على قتاله وما يتعلق به ، كمباشرته للقتال بنفسه.