قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ). فيه وجهان أحدهما : أن يرتفع محل الكاف على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه الحال كحال إخراجك. يعنى أن حالهم في كراهية ما رأيت من تنفيل الغزوة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب.
والثاني : أن ينتصب على أنه صفة مصدر الفعل المقدر في قوله : (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أى : الأنفال استقرت لله والرسول ، وثبتت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون (١).
والوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما صاحب الكشاف هو الذي نميل إليه ، وهو الذي ذكرناه قبل ذلك بصورة أكثر تفصيلا.
وأضاف ـ سبحانه ـ الإخراج إلى ذاته فقال : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) للإشعار بأن هذا الإخراج كان بوحي منه ـ سبحانه ـ وبأنه هو الراعي له في هذا الخروج.
والمراد بالبيت في قوله : (مِنْ بَيْتِكَ) مسكنه صلىاللهعليهوسلم بالمدينة أو المراد المدينة نفسها ، لأنها مثواه ومستقره ، فهي في اختصاصها به كاختصاص البيت بساكنه.
وقوله : (بِالْحَقِ) متعلق بقوله : (أَخْرَجَكَ) والباء للسببية ، أى : أخرجك بسبب نصرة الحق ، وإعلاء كلمة الدين ، وإزهاق باطل المبطلين.
ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من مفعول أخرجك ، وتكون الباء للملابسة ، أى : أخرجك إخراجا متلبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.
قال الآلوسى : وقوله : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ، أى : للخروج ، إما لعدم الاستعداد للقتال ، أو للميل للغنيمة ، أو للنفرة الطبيعية عنه ، وهذا مما لا يدخل تحت القدرة والاختيار ، فلا يرد أنه لا يليق بمنصب الصحابة.
والجملة في موضع الحال ، وهي حال مقدرة ؛ لأن الكراهة وقعت بعد الخروج (٢).
والمعنى الإجمالى للآية الكريمة : حال بعض المسلمين في بدر في كراهة قسمة الغنيمة بالسوية بينهم ، مثل حال فريق منهم في كراهة الخروج للقتال ، مع أنه قد ثبت أن هذه القسمة وذلك القتال ، كان فيهما الخير لهم ، إذ الخير فيما قدره الله وأراده ، لا فيما يظنون.
وقوله ـ تعالى ـ : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) حكاية لما حدث من هذا الفريق الكاره للقتال ، وتصوير معجز لما استبد به من خوف وفزع.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٩٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٧٠.