أى : أن حزن يوم واحد يجعل المسرات الطويلة قبله تتحول إلى ما يشبه الصاب مرارة ، فكيف يكون الحال إذا كانت المسرات ساعة واحدة تعقبها أحقاب طويلة من المساءات؟!!.
وقوله : (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) تذييل قصد به الزيادة في توبيخهم وتحقيرهم.
أى : لو كانوا يفقهون أن نار جهنم أشد حرا ويعتبرون بذلك ، لما فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ، ولما كرهوا الجهاد ، ولما قالوا ما قالوا ، بل لحزنوا واكتأبوا على ما صدر منهم ، ولبادروا بالتوبة والاستغفار ، كما فعل أصحاب القلوب والنفوس النقية من النفاق والشقاق.
وقوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ..) وعيد لهم بسوء مصيرهم ، وإخبار عن عاجل أمرهم وآجله ، من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الآخرة.
والمعنى : إنهم وإن فرحوا وضحكوا طوال أعمارهم في الدنيا ، فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة ، لأن الدنيا فانية والآخرة باقية ، والمنقطع الفاني قليل بالنسبة إلى الدائم الباقي.
قال صاحب المنار : وفي معنى الآية قوله صلىاللهعليهوسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» متفق عليه ، بل رواه الجماعة إلا أبا داود من حديث أنس ، ورواه الحاكم من حديث أبى هريرة بلفظ «لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا».
ثم قال : وإنما كان الأمر في الآية بمعنى الخبر ، لأنه إنذار بالجزاء لا تكليف وقد قيل في فائدة هذا التعبير عن الخبر بالإنشاء ، إنه يدل على أنه حتم لا يحتمل الصدق والكذب كما هو شأن الخبر لذاته في احتمالها ، لأن الأصل في الأمر أن يكون للإيجاب وهو حتم ..» (١).
وقوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) تذييل قصد به بيان عدالته ، سبحانه ، في معاملة عباده.
أى : أننا ما ظلمناهم بتوعدنا لهم بالضحك القليل وبالبكاء الكثير ، وإنما هذا الوعيد جزاء لهم على ما اكتسبوه من فنون المعاصي ، وما اجترحوه من محاربة دائمة لدعوة الحق.
وقوله : (جَزاءً) مفعول للفعل الثاني. أى : ليبكوا جزاء ، ويجوز أن يكون مصدرا حذف ناصبه. أى : يجزون بما ذكر من البكاء الكثير جزاء.
وجمع ـ سبحانه ـ في قوله (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بين صيغتي الماضي والمستقبل ، للدلالة على الاستمرار التجددي ماداموا في الدنيا.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يجب على الرسول نحو هؤلاء المخلفين الكارهين للجهاد ، فقال :
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٠ ص ٦٦٠.