تبرأ إبراهيم منه ومن عمله.
والمراد بهذا الوعد ما جاء في القرآن من قوله له : (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (١).
وقوله : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) (٢).
وقوله : «إن إبراهيم لأواه حليم» جملة مستأنفة مسوقة لبيان الداعي الذي دعا إبراهيم إلى الاستغفار لأبيه قبل التبين.
أى : إن إبراهيم لكثير التأوه والتوجع من خشية الله ، وكثير الحلم والصفح عمن آذاه.
قال الآلوسى : قوله «إن إبراهيم لأواه حليم» أى لكثير التأوه ، وأصل التأوه قوله آه ونحوه مما يقوله الحزين .. وهو عند جماعة كناية عن كمال الرأفة. ورقة القلب. وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهما عن عبد الله بن شداد. قال رجل : يا رسول الله ما الأواه؟ قال : «الخاشع المتضرع الكثير الدعاء» (٣).
ويؤخذ من هاتين الآيتين ، أنه لا يجوز لمسلم أن يستغفر لمشرك بعد موته على الشرك مهما بلغت درجة قرابته له.
ثم بين ـ سبحانه ـ سنة من سننه العامة في خلقه ، وهي تدل على سعة رحمته ، ووافر عدله فقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ..).
أى : وما كان من شأن الله ـ تعالى ـ في لطفه وعدله .. أن يصف قوما بالضلال عن طريق الحق «بعد إذ هداهم» إلى الإسلام ، لمجرد قول أو عمل صدر عنهم عن طريق الخطأ في الاجتهاد.
وإنما يصفهم بذلك بعد أن يبين لهم ما يجب اتقاؤه من الأقوال والأفعال ، فلا يطيعون أمره ، ولا يستجيبون لتوجيهه ـ سبحانه ـ قال صاحب الكشاف : يعنى ـ سبحانه ـ أن ما أمر باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيرها مما نهى عنه وبين أنه محظور ، لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام ، ولا يسميهم ضلالا ، إلا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظره عليهم ، وعلمهم أنه واجب الاتقاء والاجتناب. وأما قبل العلم والبيان فلا سبيل عليهم ، كما لا يؤاخذون بشرب الخمر ، ولا ببيع الصاع بصاعين قبل التحريم.
__________________
(١) سورة مريم الآية ٤٧.
(٢) سورة الممتحنة الآية ٤.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٣٥ ـ بتصرف وتلخيص.