٤ ـ كذلك يؤخذ من الآيات الكريمة ، استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له ، وعلى استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحة ، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء ، والتنزه عن ملابسة القاذورات (١).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ أنواع المتخلفين عن غزوة تبوك ، أتبع ذلك بالترغيب في الجهاد وفي بيان فضله فقال ـ تعالى ـ :
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١١١)
قال الفخر الرازي : اعلم أن الله ـ تعالى ـ لما شرع في شرح فضائح المنافقين وقبائحهم لسبب تخلفهم عن غزوة تبوك ، فلما تمم ذلك الشرح والبيان وذكر أقسامهم وفرع كل قسم ما كان لائقا به ، عاد إلى بيان فضيلة الجهاد وحقيقته فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...) الآية (٢).
وقال القرطبي : نزلت هذه الآية في البيعة الثانية ، وهي بيعة العقبة الكبرى وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين ، وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند العقبة ، فقال عبد الله بن رواحة للنبي صلىاللهعليهوسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا : فإذا فعلنا فما لنا؟ قال :
«لكم الجنة» قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل فنزلت هذه الآية (٣).
ثم هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) تمثيل للثواب الذي منحه الله ـ تعالى ـ للمجاهدين في سبيله.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٩٠.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٥٠٦.
(٣) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٢٦٧.