وجاء الكلام في صورة الأمر ، للمبالغة في تساوى الأمرين ، وعدم الاعتداد بنفقتهم سواء أقدموها عن طواعية أم عن كراهية.
وقوله : (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) بيان لثمرة إنفاقهم. أى : لن يتقبل منكم ما أنفقتموه ، ولن تنالوا عليه ثوابا.
وقوله : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل لعدم قبول نفقاتهم.
أى : لن تقبل منكم نفقاتكم بسبب عتوكم في الكفر ، وتمردكم على تعاليم الإسلام وخروجكم عن الطاعة والاستقامة.
قال القرطبي ما ملخصه. وفي الآية دليل على أن أفعال الكافر إذا كانت برا كصلة القرابة ، وجبر الكسير ، وإغاثة الملهوف ، لا يثاب عليها ، ولا ينتفع بها في الآخرة ، بيد أنه يطعم بها في الدنيا.
دليله ما رواه مسلم عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قلت يا رسول الله ، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المسكين ، فهل ذلك نافعه؟
قال : لا ينفعه ، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
وروى عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها» (١).
وقال الجمل : وهذه الآية وإن كانت خاصة في إنفاق المنافقين ، فهي عامة في حق كل من أنفق ماله لغير وجه الله ، بل أنفقه رياء وسمعة فإنه لا يقبل منه (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ على سبيل التفصيل لمظاهر فسقهم ـ أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم.
أما السبب الأول فقد عبر عنه ـ سبحانه ـ بقوله : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ..).
أى : وما منعهم قبول نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم بالله ـ تعالى ـ ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
فالاستثناء من أهم الأشياء. والضمير في «منعهم» هو المفعول الأول للفعل ، وقوله :
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٦١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٨٩.