والمراد بقوله (يُجادِلُونَكَ) مجادلتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم في شأن القتال وقولهم له : ما كان خروجنا إلا للعير ، ولو أخبرتنا بالقتال لأعددنا العدة له.
والضمير يعود للفريق الذي كان كارها للقتال.
والمراد بالحق الذي جادلوا فيه : أمر القتال الذي حضهم الرسول صلىاللهعليهوسلم على أن يعدوا أنفسهم له.
وقوله : (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) متعلق : (يُجادِلُونَكَ) و (ما) مصدرية والضمير في الفعل (تَبَيَّنَ) يعود على الحق.
والمراد بتبينه : إعلام الرسول صلىاللهعليهوسلم لهم بأنهم سينصرون على أعدائهم فقد روى أن الرسول صلىاللهعليهوسلم أخبرهم قبل نجاة العير بأن الله وعده الظفر بإحدى الطائفتين : العير أو النفير ، فلما نجت العير علم أن الظفر الموعود به إنما هو النفير ، أى : على المشركين الذين استنفرهم أبو سفيان للقتال لا على العير ، أى : الإبل الحاملة لأموال المشركين.
والمعنى : يجادلك بعض أصحابك ـ يا محمد ـ (فِي الْحَقِ) أى في أمر القتال (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) أى ، بعد ما تبين لهم الحق بإخبارك إياهم بأن النصر سيكون حليفهم ، وأنه لا مفر لهم من لقاء قريش تحقيقا لوعد الله الذي وعد بإحدى الطائفتين.
وقوله : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أى : يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت ، وهو ناظر إلى أسبابه ، ومشاهد لموجباته.
والجملة في محل نصب على الحالية من الضمير في قوله : (لَكارِهُونَ).
وفي هذه الجملة الكريمة تصوير معجز لما استولى على هذا الفريق من خوف وفزع من القتال يسبب قلة عددهم وعددهم.
وقوله : (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) زيادة في لومهم ، لأن الجدال في الحق بعد تبينه أقبح من الجدال فيه قبل ظهوره.
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على المؤمنين ، مع جزع بعضهم من قتال عدوه وعدوهم ، وإيثارهم العير على النفير فقال : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ).
والمراد بإحدى الطائفتين : العير أو النفير ، والخطاب للمؤمنين.
والمراد بغير ذات الشوكة : العير ، والمراد بذات الشوكة : النفير.