والمراد بالمشركين الذين استثنوا هنا : أولئك الذين سبق الحديث عنهم في قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ..).
وهم ـ كما رجحه ابن جرير والخازن ـ بنو خزيمة وبنو مدلج وبنو ضمرة من قبائل بنى بكر ، وكانوا قد وفوا بعهودهم مع المسلمين (١).
وأعيد ذكر استثنائهم هنا ، لتأكيد هذا الحكم وتقريره.
والمراد بالمسجد الحرام : جميع الحرم ، فيكون الكلام على حذف مضاف.
أى : عند قرب المسجد الحرام.
والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرام ، لزيادة بيان أصحابها ، وللإشعار بسبب وجوب الوفاء بها.
والمعنى : لا ينبغي ولا يصح أن يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ، لكن الذين عاهدتموهم ـ أيها المؤمنون ـ عند المسجد الحرام من المشركين ولم ينقضوا عهودهم (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
أى : فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم ، فتكون ما مصدرية منصوبة المحل على الظرفية.
ويصح أن تكون شرطية وعائدها محذوف فيكون المعنى : فأى زمان استقاموا لكم فيه فاستقيموا لهم ، إذ لا يجوز أن يكون نقض العهد من جهتكم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) تذييل قصد به التعليل لوجوب الامتثال ، وتبيين أن الوفاء بالعهد إلى مدته مع الموفين بعهدهم من تقوى الله التي يحبها لعباده ، ويحبهم بسبب تمسكهم بها.
هذا ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية : ان العهد المعتد به في شريعة الإسلام ، هو عهد الأوفياء غير الناكثين ، وأن من استقام على عهده عاملناه بمقتضى استقامته ، وأن الالتزام بالعهود من تقوى الله التي يحبها لعباده.
وقوله ـ سبحانه ـ (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً ...) لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، ولاستنكار ان يكون لهم عهد حقيق بالمراعاة ، وبيان لما يكون عليه أمرهم عند ظهورهم على المؤمنين.
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ٨٢ ـ وحاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٦٦.