فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(١٢)
وقوله ـ سبحانه ـ : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) الاستفهام فيه للإنكار والاستبعاد لأن يكون للمشركين عهد. وهو إنكار للوقوع لا للواقع. أى ؛ تحذير للمؤمنين من أن يقع منهم ذلك في المستقبل.
والمراد بالمشركين أولئك الذين نقضوا عهودهم ، لأن البراءة إنما هي في شأنهم.
والعهد : ما يتفق شخصان أو طائفتان من الناس على التزامه بينهما ، فإن أكداه ووثقاه بما يقتضى زيادة العناية بالوفاء به سمى ميثاقا ، لاشتقاقه من الوثاق ـ بفتح الواو ـ وهو الحبل أو القيد. وإن أكداه باليمين خاصة سمى يمينا.
وسمى بذلك لوضع كل من المتعاقدين يمينه في يمين الآخر عند عقده.
والمعنى : لا ينبغي ولا يجوز أن يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله لأن هؤلاء المشركين لا يدينون لله بالعبودية ، ولا لرسوله بالطاعة ، ولأنهم قوم دأبهم الخيانة. وعادتهم الغدر ، ومن كان كذلك لا يكون له عهد عند الله ولا عند رسوله.
قالوا : وفي توجيه الإنكار إلى كيفية ثبوت العهد من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى ثبوته ، لأن كل موجود يجب أن يكون وجوده على حال من الأحوال ، فإذا انتفت جميع أحوال وجوده ، فقد انتفى وجوده بالطريق البرهاني. وتكرير كلمة (عِنْدَ) للإيذان بعدم الاعتداد بعهودهم عند كل من الله ـ تعالى ـ ورسوله صلىاللهعليهوسلم على حدة.
و (يَكُونُ) من الكون التام و (كَيْفَ) محلها النصب على التشبيه بالحال أو الظرف. أو من الكون الناقص فيكون قوله (عَهْدٌ) اسمها ، وقوله (كَيْفَ) خبرها وهو واجب التقديم ، لأن الاستفهام له صدر الكلام (١).
وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ..) استثناء من المشركين الذين استنكرت الآية أن تكون لهم عهود عند الله وعند رسوله.
__________________
(١) تفسير الآلوسى. بتصرف وتلخيص. ج ١٠ ص ٤٩.