قال القرطبي : قوله «من أنفسكم» يقتضى مدحا لنسب النبي صلىاللهعليهوسلم وأنه من صميم العرب وخالصها ، وفي صحيح مسلم عن وائلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قرش بنى هاشم ، واصطفاني من بنى هاشم» وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنى من نكاح ولست من سفاح» (١).
وقال الزجاج إن الخطاب في الآية الكريمة لجميع البشر ، لعموم بعثته صلىاللهعليهوسلم ، ومعنى كونه صلىاللهعليهوسلم «من أنفسكم» أنه من جنس البشر.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح ؛ لأن الآية الكريمة ليست مسوقة لإثبات رسالته صلىاللهعليهوسلم وعمومها ، وإنما هي مسوقة لبيان منته وفضله ـ سبحانه ـ على العرب ، حيث أرسل خاتم أنبيائه منهم ، فمن الواجب عليهم أن يؤمنوا به ، لأنه ليس غريبا عنهم ، وإذا لم يؤمنوا به تكون الحجة عليهم ألزم ، والعقوبة لهم أعظم.
وقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أى : شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم ، لكونه بعضا منكم ؛ فهو يخاف عليكم سوء العاقبة ، والوقوع في العذاب.
يقال : عزّ عليه الأمر أى صعب وشق عليه ، والعنت المشقة والتعب ومنه قولهم : أكمة عنوت ، إذا كانت شاقة مهلكة ، والفعل عنت بوزن فرح.
وقوله : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أى : حريص على إيمانكم وهدايتكم وعزتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة.
والحرص على الشيء معناه : شدة الرغبة في الحصول عليه وحفظه.
وقوله : «بالمؤمنين رءوف رحيم» أى : شديد الرأفة والرحمة بكم ـ أيها المؤمنون ـ والرأفة عبارة عن السعى في إزالة الضرر ، والرحمة عبارة عن السعى في إيصال النفع ، فهو صلىاللهعليهوسلم يسعى بشدة في إيصال الخير والنفع للمؤمنين ، وفي إزالة كل مكروه عنهم.
قال بعضهم : لم يجمع الله ـ تعالى ـ لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلىاللهعليهوسلم فإنه قال (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وقال عن ذاته ـ سبحانه ـ (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢).
ثم انتقل ـ سبحانه ـ من خطاب المؤمنين إلى خطابه صلىاللهعليهوسلم فقال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ..).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٠١.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٠٢.