والضمير في قوله (اتَّخَذُوا) يعود إلى الفريقين اللذين حكت الآية السابقة ما قالوه من باطل وبهتان.
والأحبار : علماء اليهود جمع حبر ، بكسر الحاء وفتحها ـ وهو الذي يحسن القول ويتقنه ، مأخوذ من التحبير بمعنى التحسين والتزيين ، ومنه ثوب محبر أى جمع الزينة والحسن ، والرهبان : علماء النصارى جمع راهب وهو الزاهد في متع الدنيا ، المنعزل عن الناس مأخوذ من الرهبة بمعنى الخشية والخوف من الله ـ تعالى.
والمراد باتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، أنهم أطاعوهم فيها أحلوه لهم ، وفيما حرموه عليهم ، ولو كان هذا التحليل والتحريم مخالفا لشرع الله.
وهذا التفسير مأثور عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدى بن حاتم أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فر إلى الشام : وكان قد تنصر في الجاهلية ، فأسرت أخته وجماعة من قومها ، ثم منّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أخته وأعطاها. فرجعت إلى أخيها ، فرغبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقدم عدى المدينة ، وكان رئيسا في قومه طيئ وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم فتحدث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي عنق عدى صليب من فضة ، وكان الرسول يقرأ هذه الآية (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ..).
قال عدى : فقلت ، إنهم لم يعبدوهم ، فقال ، بلى ، إنهم حرموا عليهم الحلال ، وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم.
قال ابن كثير : وهكذا قال حذيفة بن اليمان وابن عباس وغيرهما في تفسير هذه الآية : أنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا.
وقال السدى : استنصحوا الرجال ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم (١).
وقال الآلوسى : وقيل اتخاذهم أربابا بالسجود لهم ونحوه مما لا يصلح إلا لله ، تعالى ، وحينئذ فلا مجاز ، إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله وسنة رسوله ، لكلام علمائهم ورؤسائهم ، والحق أحق بالاتباع ، فمتى ظهر الحق فعلى المسلم اتباعه وإن أخطأه اجتهاد مقلده» (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٤٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١ ص ٧٥.