الابن لله والحلول والتثليث ، كانت معروفة عند البراهمة في الهند وفي الصين واليابان وقدماء المصريين وقدماء الفرس.
وهذه الحقيقة التاريخية ـ والتي بينها القرآن في هذه الآية ـ من معجزاته لأنه لم يكن يعرفها أحد من العرب ولا ممن حولهم ، بل لم تظهر إلا في هذا الزمان» (١).
والمعنى. أن هؤلاء الضالين الذين قال بعضهم «عزير ابن الله» وقال البعض الآخر «المسيح ابن الله» ليس لهم على قولهم الباطل هذا دليل ولا برهان ، ولكنهم يشابهون ويتابعون فيه قول الذين كفروا من قبلهم من الأمم «فهم على آثارهم يهرعون» (٢).
وقوله. (قاتَلَهُمُ اللهُ) تعجيب من شناعة قولهم ، ودعاء عليهم بالهلاك فإن من قاتله الله لا بد أن يقتل ، ومن غالبه لا بد أن يغلب.
وعن ابن عباس ، أن معنى (قاتَلَهُمُ اللهُ) لعنهم الله وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن (٣).
وقوله : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) تعجيب آخر من انصرافهم الشديد عن الحق الواضح إلى الباطل المظلم المعقد.
و (أَنَّى) بمعنى كيف. و (يُؤْفَكُونَ) من الإفك بمنى الانصراف عن الشيء والابتعاد عنه ، يقال ، أفكه عن الشيء يأفكه أفكا ، أى ، صرفه عنه وقلبه. ويقال ، أفكت الأرض أفكا ، أى : صرف ، عنها المطر.
والمعنى : قاتل الله هؤلاء الذين قالوا (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) والذين قالوا (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) لأنهم بقولهم هذا محل مقت العقلاء وعجبهم ، إذ كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل ، بعد وضوح الدليل على استحالة أن يكون له ـ تعالى ـ ولد أو والد أو صاحبة أو شريك ..؟!.
إن ما قالوه ظاهر البطلان وهو محل عجب العقلاء واستنكارهم وغضبهم.
وقوله ـ سبحانه (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) بيان للون آخر من ألوان انحراف اليهود والنصارى عن الحق إلى الباطل ، وتقرير لما سبقت حكايته عنهم من أقوال فاسدة ، وأفعال ذميمة.
__________________
(١) تفسير المنار ـ بتصرف وتلخيص ج ١٠ ص ٣٩٩ وراجع تفسير في ظلال القرآن ج ١٠ ص ٢٠٠.
(٢) سورة الصافات. الآية ٧٠.
(٣) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ١١٣.