وغيرهما عن المسيب بن حزن قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة ، دخل عليه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية فقال النبي صلىاللهعليهوسلم أى عم ، قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرضها عليه. وأبو جهل وعبد الله بن أمية يعاودانه بتلك المقالة. فقال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول : لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ..) الآية.
ثم قال. واستبعد بعضهم ذلك ، لأن موت أبى طالب كان قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة.
وهذا الاستبعاد مستبعد ، لأنه لا بأس من أن يقال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يستغفر لأبى طالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول هذه الآية وعليه فلا يراد من قوله «فنزلت» في الخبر أن النزول كان عقيب القول بل يراد أن ذلك سبب النزول فحسب. فتكون الفاء للسببية لا للتعقيب (١).
وقال القرطبي : هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم ، فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين. فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز. ، وقال كثير من العلماء. بأنه لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ما داما حيين ، فأما من مات على الكفر فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ السبب الذي حمل إبراهيم على الاستغفار لأبيه ، ثم على ترك هذا الاستغفار فقال : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ..
قال القرطبي : روى النسائي عن على بن أبى طالب قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان. فقلت : أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال : أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه. فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فذكرت له ذلك فنزلت (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) الآية.
والمعنى : لا حجة لكم أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم ، لأبيه ، لأن استغفاره له إنما كان بسبب وعد صدر له بذلك. فلما أصر «آزر» أبو إبراهيم على كفره ، ومات مشركا بالله ،
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٣٣.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٢٧٣.