إذا عرفت هذه الوجوه الثلاثة فلا شك أن اللفظ يصلح حمله على كل واحد منها ، لأن أولئك المنافقين كانوا موصوفين بجميع هذه الصفات السيئة ...» (١).
وقال ـ سبحانه ـ (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ...) ولم يقل فإن رجعك الله إليهم ، لأن جميع الذين تخلفوا عن الخروج مع الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى تبوك ، لم يكونوا من المنافقين ، بل كان هناك من تخلف بأعذار مقبولة ، كالذين أتوا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ليحملهم معه ، فقال لهم : «لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا «وأعينهم تفيض من الدمع حزنا».
وسيأتى الحديث عنهم بعد قليل.
وقوله : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) إخبار في معنى النهى للمبالغة وجمع ـ سبحانه ـ بين الجملتين زيادة في تبكيتهم ، وفي إهمال شأنهم ، وفي كراهة مصاحبتهم ...
وذلك ، لأنهم لو خرجوا مع المؤمنين ما زادوهم إلا خبالا ، ولو قاتلوا معهم ، لكان قتالهم خاليا من الغاية السامية التي من أجلها قاتل المؤمنون وهي إعلاء كلمة الله ، وكل قتال خلا من تلك الغاية كان مآله إلى الهزيمة ..
هذا ، وقد اشتملت هذه الآيات الكريمة على أسوأ صفات المنافقين ، كما اشتملت على أشد ألوان الوعيد لهم في الدنيا والآخرة «جزاء بما كانوا يكسبون».
قال الجمل : وفي قوله ـ تعالى ـ (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ...) الآية دليل على أن الشخص إذا ظهر منه مكر وخداع وبدعة ، يجب الانقطاع عنه ، وترك مصاحبته ، لأنه ـ سبحانه ـ منع المنافقين من الخروج مع الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الجهاد ، وهو مشعر بإظهار نفاقهم وذمهم وطردهم وإبعادهم لما علم من مكرهم وخداعهم إذا خرجوا إلى الغزوات (٢).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ ما يجب أن يفعله الرسول صلىاللهعليهوسلم معهم في حياتهم ، أتبع ذلك ببيان ما يجب أن يفعله معهم بعد مماتهم فقال ـ تعالى ـ :
(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ)(٨٤)
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٨٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٠٥.