لا يستغفرون من ذلك بل هم مصرون عليه ، فهم للعذاب مستحقون ...» (١).
قال بعض المحققين : والقول الأول أبلغ لدلالته على أن استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة.
ثم قال : روى الترمذي عن أبى موسى الأشعرى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنزل الله على أمانين لأمتى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ...) الآية. فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة».
قال ابن كثير : ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه عن أبى سعيد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن إبليس قال لربه : بعزتك وجلالك لا أبرح أغوى بنى آدم ما دامت الأرواح فيهم. فقال الله ـ تعالى ـ فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفرونى» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض الجرائم التي ارتكبها المشركون ، والتي تجعلهم مستحقين لعذاب الله ، فقال ـ تعالى ـ : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ ، إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
والمعنى : وأى شيء يمنع من عذاب مشركي قريش بعد خروجك ـ يا محمد ـ وخروج المؤمنين المستضعفين من بين أظهرهم؟ إنه لا مانع أبدا من وقع العذاب عليهم وقد وجد مقتضية منهم ، حيث اجترحوا من المنكرات والسيئات ما يجعلهم مستحقين للعقاب الشديد.
فالاستفهام في قوله (وَما لَهُمْ ..) إنكارى بمعنى النفي. أى : لا مانع من تعذيب الله لهم وقوله (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) جملة حالية مبينة لجريمة من جرائمهم الشنيعة ، أى : لا مانع يمنع من تعذيبهم : وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالمسجد الحرام ، ومن زيارته. ومن مباشرة عباداتهم عنده ..؟ إنهم لا بد أن يعذبوا على هذه الجرائم.
ولقد أوقع الله بهم عذابه في الدنيا : ومن ذلك ما حدث لهم يوم بدر من قتل صناديدهم ومن أسر وجهائهم.
وأما عذابهم في الآخرة فهو أشد وأبقى من عذابهم في الدنيا.
وقوله : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) رد على ما كانوا يقولونه بالباطل : نحن ولاة البيت الحرام ، فلنا أن نصد من نشاء عن دخوله ، ولنا أن نبيح لمن نشاء دخوله.
أى : إن هؤلاء المشركين ما كانوا في يوم من الأيام أهلا لولاية البيت الحرام بسبب شركهم وعداوتهم ـ لله تعالى ـ رب هذا البيت.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٩ ص ٢٣٨.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٠٦.