ويقطع دابرهم ؛ أى آخرهم الذي يدبرهم.
والدابر : التابع من الخلف ، يقال : دبر فلان القوم يدبرهم دبورا ، إذا كان آخرهم في المجيء ، والمراد أنه سبحانه يريد أن يستأصلهم استئصالا.
وقد هلك في غزوة بدر عدد كبير من صناديد قريش الذين كانوا يحاربون الإسلام ، ويستهزئون بتعاليمه.
قال صاحب الكشاف في معنى الآية الكريمة ، قوله : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ...) يعنى أنكم تريدون العاجلة وسفساف الأمور ، وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأموالكم ، والله ـ عزوجل ـ يريد معالى الأمور ، وما يرجع إلى عمارة الدين ، ونصرة الحق ، وعلو الكلمة والفوز في الدارين ، وشتان ما بين المرادين ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة ، وكسر قوتهم بضعفكم ، وغلب كثرتهم بقلتكم ، وأعزكم وأذلهم ، وحصل لكم ما لا تعارض أدناه العير وما فيها» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة في اختيار ذات الشوكة لهم ، ونصرتهم عليهم فقال : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
أى : فعل ما فعل من النصرة والظفر بالأعداء (لِيُحِقَّ الْحَقَ) أى : ليثبت الدين الحق دين الإسلام (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) أى : ويمحق الدين الباطل وهو ما عليه المشركون من كفر وطغيان.
وقوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) بيان لنفاذ إرادته ـ سبحانه ـ ، أى : اقتضت إرادته أن يعز الدين الحق وهو دين الإسلام ، وأن يمحق ما سواه ، ولو كره المشركون ذلك ؛ لأن كراهيتهم لا وزن لها ، ولا تعويل عليها ..
وبهذا يتبين أنه لا تكرار بين الآيتين السابقتين ، لأن المراد بإحقاق الحق في قوله ـ تعالى ـ (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) : إعلاؤه وإظهاره ونصرته عن طريق قتال المؤمنين للمشركين.
والمراد بإحقاق الحق في قوله بعد ذلك في الآية الثانية (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) : تثبيت دين الإسلام وتقويته وإظهار شريعته ، ويمحق دين الكفر.
فكان ما اشتملت عليه الآية الأولى هو الوسيلة والسبب وما اشتملت عليه الآية الثانية هو المقصد والغاية.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٩٩.