(أَنْ تُقْبَلَ) هو المفعول الثاني ، لأن الفعل «منع» يتعدى لمفعولين تارة بنفسه كما هنا ، وتارة يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف الجر وهو حرف «من» أو «عن».
والفاعل ما في حيز الاستثناء وهو قوله : (إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا ..).
وأما السبب الثاني فقد عبر عنه ـ سبحانه ـ بقوله : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى).
ولفظ «كسالى». جمع كسلان ، مأخوذ من الكسل بمعنى التثاقل عن الشيء ، والفتور عن أدائه. وفعله بزنة فرح.
أى : ولا يأتون الصلاة التي كتبها الله عليهم في حال من الأحوال ، إلا في حال كونهم قوم خلت قلوبهم من الإيمان ، فصاروا لا يرجون من وراء أدائها ثوابا ولا يخشون من وراء تركها عقابا ، وإنما يؤدونها رياء أو تقية للمسلمين.
وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله ـ تعالى ـ في سورة النساء : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى ، يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً).
وأما ، السبب الثالث فقد عبر عنه ـ سبحانه ـ بقوله : (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ).
أى. ولا ينفقون نفقة في سبيل الله إلا وهم كارهون لها لأنهم يعدونها مغرما ، ويعتبرون تركها مغنما ، وما حملهم على الإنفاق إلا الرياء أو المخادعة أو الخوف من انكشاف أمرهم ، وافتضاح حالهم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الكراهية خلاف الطواعية ، وقد جعلهم الله ـ تعالى ـ طائعين في قوله «طوعا» ثم وصفهم هنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون فكيف ذلك؟
قلت : المراد بطوعهم أنهم يبذلون نفقتهم من غير إلزام من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو من رؤسائهم ، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار ، لا عن رغبة واختيار (١).
أى : أن نفقتهم في جميع الأحوال لا يقصد بها الاستجابة لشرع الله ، وإنما يقصد بها الرياء أو المخادعة ، أو خدمة مصالحهم الخاصة.
ثم نهى الله ـ تعالى ـ المؤمنين في شخص نبيهم صلىاللهعليهوسلم عن التطلع إلى ما في أيدى هؤلاء المنافقين فقال. (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ..).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٨٠.