أى أن هذا الحذر والإشفاق. كما يقول بعض العلماء. أثر طبيعي للشك والارتياب ، لأنهم لو كانوا موقنين بتكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم لما خطر لهم هذا الخوف على بال ، ولو كانوا موقنين بتصديقه ، لما كان هناك محل لهذا الحذر «لأن قلوبهم مطمئنة بالإيمان» (١).
وقوله : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) تهديد ووعيد لهم على نفاقهم وسوء أدبهم.
أى : قل يا محمد لهؤلاء المنافقين المذبذبين بين الحق والباطل ، قل لهم ، على سبيل التهديد والتبكيت : افعلوا ما شئتم من الاستخفاف بتعاليم الإسلام إن الله ـ تعالى ـ مظهر ما تحذرونه من إنزال الآيات القرآنية التي تفضحكم على رءوس الأشهاد ، والتي تكشف عن أسراركم ، وتهتك أستاركم ، وتظهر للمؤمنين ما أردتم إخفاءه عنهم.
وأسند الإخراج إلى الله ـ تعالى ـ للإشارة إلى أنه ـ سبحانه ـ يخرج ما يحذرونه إخراجا لا مزيد عليه من الكشف والوضوح ، حتى يحترس منهم المؤمنون ولا يغتروا بأقوالهم المعسولة.
وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ..) بيان للون آخر من معاذيرهم الكاذبة ، وجبنهم عن مواجهة الحقائق.
وأصل الخوض ـ كما يقول الآلوسى ـ الدخول في مائع مثل الماء والطين ، ثم كثر حتى صار اسما لكل دخول فيه تلويث وأذى (٢).
أى : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عن سبب استهزائهم بتعاليم الإسلام ليقولن لك على سبيل الاعتذار ، إنما كنا نفعل ذلك على سبيل الممازحة والمداعبة لا على سبيل الجد.
وقوله : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) إبطال لحجتهم ، وقطع لمعاذيرهم ، وتبكيت لهم على جهلهم وسوء أخلاقهم.
أى : قل لهم يا محمد ـ على سبيل التوبيخ والتجهيل ـ ألم تجدوا ما تستهزءون به في مزاحكم ولعبكم ـ كما تزعمون ـ سوى فرائض الله وأحكامه وآياته ورسوله الذي جاء لهدايتكم وإخراجكم من الظلمات إلى النور؟
فالاستفهام للإنكار والتوبيخ ، ودفع ما تذرعوا به من معاذير واهية.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ...) تأكيد لإبطال ما أظهروه من معاذير.
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٠ ص ٦١٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١٣١.