ثم وضح ـ سبحانه ـ : المنهج الذي يليق بأصحاب العقيدة السليمة فقال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ..).
أى. ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يلمزونك. يا محمد. في الصدقات ، رضوا ما أعطاهم الله ورسوله من عطاء ، وقالوا ـ على سبيل الشكر والقناعة ـ «حسبنا الله» أى : كفانا فضله وما قسمه لنا ، «سيؤتينا الله من فضله ورسوله» أى : سيعطينا الله في المستقبل الكثير من فضله وإحسانه ، وسيعطينا رسوله من الصدقات وغيرها «إنا إلى الله راغبون» أى : إنا إلى الله راغبون في أن يوسع علينا من فضله ، فيغنينا عن الصدقات وغيرها من أموال الناس ومن صلاتهم ، لأنه ـ سبحانه ـ له خزائن السموات والأرض.
وجواب «لو» محذوف. والتقدير : ولو أنهم فعلوا ذلك لكان خيرا لهم.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : والآية تدل على أن من طلب الدنيا ـ بطمع وشراهة ـ آل أمره في الدين إلى النفاق ، وأما من طلب الدنيا بتوسط وبغرض التوسل إلى مصالح الدين ، فهذا هو الطريق الحق ، والأصل في هذا الباب أن يكون راضيا بقضاء الله.
ألا ترى أنه ـ سبحانه ـ ذكر هنا في هذه الآية مراتب أربعة :
أولها : الرضا بما آتاهم الله ورسوله ، لعلمه بأنه ـ تعالى ـ حكم منزه عن العبث ، وكل ما كان حكما له وقضاء كان حقا وصوابا ولا اعتراض عليه.
وثانيها : أن يظهر أثر ذلك الرضا على لسانهم وهو قولهم : «حسبنا الله» يعنى : أن غيرنا أخذ المال ، ونحن قد رضينا بحكم الله وقضائه. وفزنا بهذه المرتبة العظيمة في العبودية.
وثالثها : وهي أن الإنسان إذا لم يبلغ تلك الدرجة العالية التي عندها يقول : «حسبنا الله» ، نزل منها إلى مرتبة أخرى وهي أن يقول : «سيؤتينا الله من فضله ورسوله».
ورابعها : أن يقول : «إنا إلى الله راغبون» فنحن لا نطلب من الإيمان والطاعة أخذ الأموال ، وإنما نطلب اكتساب سعادات الآخرة .. (١).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ المنهج اللائق بأصحاب العقيدة السليمة في طلب الدنيا عقب ذلك ببيان المستحقين للصدقات فقال ـ تعالى ـ.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٥٦ طبعة المطبعة الشرفية سنة ١٣٢٤ ه ـ الطبعة الثانية.