كذبا. بقولهم : «إننا بنيناه للضعفاء ، وأهل العلة في الليلة الشاتية».
وقوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) زيادة في مذمتهم وتحقيرهم.
أى : والله ـ تعالى ـ يعلم ويشهد أن هؤلاء المنافقين لكاذبون في أيمانهم بأنهم ما أرادوا من بناء مسجدهم إلا الحسنى ، فإنهم في الحقيقة لم يريدوا ذلك ، وإنما أرادوا تلك الأغراض القبيحة السابقة ، وهي مضارة المؤمنين ، وتفريق كلمتهم.
ثم نهى الله ـ تعالى ـ رسوله والمؤمنين عن الصلاة في هذا المسجد نهيا مؤكدا فقال ـ سبحانه ـ : (لا تَقُمْ فِيهِ ، أَبَداً).
أى : لا تصل. أيها الرسول الكريم. في هذا المسجد في أى وقت من الأوقات لأنه لمن يبن لعبادة الله ، وإنما بنى للشقاق والنفاق.
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) يعنى مسجد الضرار. لا تقم فيه للصلاة ، وقد يعبر عن الصلاة بالقيام. يقال : فلان يقوم الليل أى : يصلى ، ومنه الحديث الصحيح : «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وقد روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزلت هذه الآية كان لا يمر بالطريق التي فيها هذا المسجد ، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار ...» (١).
وقوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) جملة مسوقة لمدح مسجد قباء وتشريفه.
أى : لمسجد بنى أساسه ، ووضعت قواعده على تقوى الله وإخلاص العبادة له منذ أول يوم بدئ في بنائه. أحق أن تقوم للصلاة فيه من غيره.
قال الآلوسى ما ملخصه : واللام في قوله «لمسجد» إما للابتداء أو للقسم ، أى : والله لمسجد ، وعلى التقديرين فمسجد مبتدأ ، والجملة بعده صفته ، وقوله «أحق أن تقوم فيه» خبر المبتدأ : «وأحق» أفعل تفضيل ، والمفضل عليه كل مسجد. أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير ، أو على زعمهم ، وقيل إنه بمعنى حقيق ، أى : ذلك المسجد بأن تصلى فيه ..» (٢).
وقوله : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) جملة مسوقة لتكريم رواد هذا المسجد ومديحهم.
أى : في هذا المسجد رجال أتقياء الظاهر والباطن ، إذ هم يحبون الطهارة من كل رجس
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٢٥٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٩.