وقوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) منصوب على الذم.
أى : وأذم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا .. أو معطوف على ما سبق من أحوال المنافقين ، والتقدير : ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا.
وقوله «ضرارا» مفعول لأجله أى : اتخذوا هذا المسجد لا من أجل العبادة والطاعة لله تعالى. وإنما اتخذوه من أجل الإضرار بالمؤمنين. وإيقاع الأذى بهم.
وقوله «وكفرا» معطوف على «ضرارا» ؛ وهو علة ثانية لاتخاذ هذا المسجد.
أى : اتخذوه للإضرار بالمؤمنين ، وللازدياد من الكفر الذي يضمرونه ومن الغل الذي يخفونه.
وقوله : (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) علة ثالثة.
أى : واتخذوه أيضا للتفريق بين جماعة المؤمنين الذين كانوا يصلون في مسجد واحد هو مسجد قباء ، فأراد هؤلاء المنافقون من بناء مسجد الضرار إلى جوار مسجد قباء ، أن يفرقوا وحدة المؤمنين ، بأن يجعلوهم يصلون في أماكن متفرقة. حسدا لهم على نعمة الإخاء والتآلف والاتحاد التي غرسها الإسلام في قلوب أتباعه.
وقوله : (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) علة رابعة لاتخاذ هذا المسجد.
أى : واتخذوه ليكون مكانا يرقبون فيه قدوم «من حارب الله ورسوله» وهو أبو عامر الراهب ، الذي أعلن عداوته لدعوة الإسلام «من قبل» بناء مسجد الضرار.
فقد سبق أن ذكرنا في أسباب نزول هذه الآيات ، أن أبا عامر هذا ، كتب إلى جماعة من قومه. وهو عند هرقل. يعدهم ويمنيهم ، ويطلب منهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه فشرعوا في بناء هذا المسجد.
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة ، قد ذكرت أربعة من الأغراض الخبيثة التي حملت المنافقين على بناء هذا المسجد ، وهي : مضارة المؤمنين ، وتقوية الكفر ، وتفريق كلمة أهل الحق وجعله معقلا لالتقاء المحاربين لله ولرسوله.
وقد خيب الله تعالى مسعاهم ؛ وأبطل كيدهم ، بأن أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بهدمه وإزالته.
وقوله : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) ذم لهم على أيمانهم الفاجرة ، وأقوالهم الكاذبة.
أى : أن هؤلاء المنافقين قد بنوا مسجد الضرار لتلك المقاصد الخبيثة. ومع ذلك فهم يقسمون بأغلظ الأيمان بأنهم ما أرادوا ببنائه إلا الخصلة الحسنى التي عبروا عنها قبل ذلك.