الجاهلية ، وقرأ علم أهل الكتاب ، وكان فيه عبادة في الجاهلية ، وله شرف في الخزرج كبير ، فلما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم مهاجرا إلى المدينة ، واجتمع المسلمون عليه وصار للإسلام كلمة عالية ، وأظهرهم الله يوم بدر ، شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز العداوة ، وظاهر بها ، وخرج فارا إلى كفار مكة ليمالئهم على حرب المسلمين فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب ، وقدموا عام «أحد» فكان من أمر المسلمين ما كان ، وامتحنهم الله ـ تعالى ـ وكانت العاقبة للمتقين.
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ، فوقع في إحداهن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصيب في ذلك اليوم ، فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى والسفلى وشج رأسه. وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار ، فخاطبهم ، واستمالهم إلى نصره وموافقته. فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله لك عينا يا فاسق يا عدو الله ، ونالوا منه وسبوه.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره ـ إلى مكة ـ وقرأ عليه القرآن ، فأبى أن يسلم وتمرد. فدعا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يموت بعيدا طريدا فنالته هذه الدعوة.
وذلك أنه لما فرغ الناس من «أحد» ورأى أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم في ارتفاع وظهور ، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فوعده ومناه ، وأقام عنده ، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم ، أنه سيقدم بجيش ليقاتل به النبي صلىاللهعليهوسلم ويغلبه ، ويرده عما هو فيه. وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ، ويكون مرصدا له إذا قدم عليه بعد ذلك.
فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ، فبنوه وأحكموه ، وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى تبوك ، وجاءوا فسألوه أن يأتى إليهم فيصلى في مسجدهم ، ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم ، وأهل العلة في الليلة الشاتية!! فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : «إنا على سفر ولكنا إذا رجعنا ـ إن شاء الله ـ أتيناكم فصلينا لكم فيه».
فلما قفل راجعا إلى المدينة من تبوك ، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم ، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر ، والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم. مسجد قباء. الذي أسس من أول يوم على التقوى فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى مسجد الضرار من هدمه قبل مقدمه إلى المدينة (١).
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٧٨٢.