قال الآلوسى : قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) جوابه محذوف ثقة بدلالة المذكور عليه ، أو المذكور هو الجواب على الخلاف المشهور. وأيا ما كان فالمراد بيان ترتب ما ذكر عليه لا التشكيك في إيمانهم ، وهو يكفى في التعليق بالشرط.
والمراد بالإيمان : التصديق. ولا خفاء في اقتضائه ما ذكر ، على معنى أنه من شأنه ذلك لا أنه لازم له حقيقة.
وقد يراد بالإيمان الإيمان الكامل والأعمال شرط فيه أو شطر ، فالمعنى : إن كنتم كاملى الإيمان ، فإن كمال الإيمان يدور على تلك الخصال الثلاثة : الاتقاء ، والإصلاح ، وإطاعة الله ـ تعالى ـ.
ويؤيد إرادة الكمال قوله ـ سبحانه ـ بعد ذلك (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ...) إذ المراد به قطعا الكاملون في الإيمان وإلا لم يصح الحصر ..» (١).
وعلى أية حال ففي هذا التذييل تنشيط للمخاطبين ، وحث لهم على الامتثال والطاعة ، ودعوة لهم إلى أن يكون إيمانهم إيمانا عميقا راسخا ، متفقا مع كل ما جاءهم به رسولهم صلىاللهعليهوسلم من هدايات وإرشادات ، ومتساميا عن كل ما يخدش صفاءه ونقاءه من متع وشهوات.
ثم وصف ـ سبحانه ـ المؤمنين الصادقين بخمس صفات ، وبشرهم بأعلى الدرجات ، فقال في بيان صفتهم الأولى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ..) فالجملة الكريمة مستأنفة وهي مسوقة لبيان أحوال المؤمنين الذين هم أهل لرضا الله وحسن ثوابه ، حتى يتأسى بهم غيرهم.
وقوله (وَجِلَتْ) من الوجل وهو استشعار الخوف. يقال : وجل يوجل وجلا فهو وجل ، إذا خاف وفزع.
والمراد بذكر الله : ذكر صفاته الجليلة ، وقدرته النافذة ، ورحمته الواسعة ، وعقابه الشديد ، وعلمه المحيط بكل شيء ، وما يستتبع ذلك من حساب وثواب وعقاب.
والمعنى : إنما المؤمنون الصادقون الذين إذا ذكر اسم الله وذكرت صفاته أمامهم ، خافت قلوبهم وفزعت ، استعظاما لجلاله وتهيبا من سلطانه ، وحذرا من عقابه ، ورغبة في ثوابه ، وذلك لقوة إيمانهم ، وصفاء نفوسهم ، وشدة مراقبتهم لله ـ عزوجل ـ ووقوفهم عند أمره ونهيه ..
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٦٤.