وقد جاء التعبير عن صفاتهم بصيغة من صيغ القصر وهي «إنما» ، للإشعار بأن من هذه صفاتهم هم المؤمنون الصادقون في إيمانهم وإخلاصهم ، أما غيرهم ممن لم تتوفر به هذه الصفات ، فأمره غير أمرهم ، وجزاؤه غير جزائهم.
قال الفخر الرازي : فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ قال هاهنا : (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) وقال في آية أخرى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) (١) فكيف الجمع بينهما؟
قلنا : الاطمئنان : إنما يكون عن ثلج اليقين ، وشرح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل : إنما يكون من خوف العقوبة. ولا منافاة بين هاتين الحالتين. بل نقول : هذان الوصفان اجتمعا في آية واحدة وهي قوله ـ تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (٢).
والمعنى تقشعر الجلود من خوف عذاب الله ، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند رجاء ثواب الله (٣).
والصفة الثانية من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين عبر عنها ـ سبحانه ـ بقوله : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً).
أى أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم إذا قرئت عليهم آيات الله أى : حججه وهي القرآن ؛ زادتهم إيمانا ، أى : زادتهم قوة في التصديق ، وشدة في الإذعان ، ورسوخا في اليقين ، ونشاطا في الأعمال الصالحة ، وسعة في العلم والمعرفة.
وجاء التعبير بصيغة الفعل المبنى للمفعول في قوله : (ذُكِرَ اللهُ) و (تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ) ، للإيذان بأن هؤلاء المؤمنين الصادقين إذا كانوا يخافون عند ما يسمعون من غيرهم آيات الله .. فإنهم يكونون أشد خوفا وفزعا عند ذكرهم لله وعند تلاوتهم لآياته بألسنتهم وقلوبهم.
فالمقصود من هذه الصيغة : مدحهم ، والثناء عليهم ، وبيان الأثر الطيب الذي يترتب على ذكر الله وعلى تلاوة آياته.
والصفة الثالثة من صفاتهم قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين ـ أيضا ـ أنهم يعتمدون على ربهم الذي خلقهم
__________________
(١) سورة الرعد. الآية ٢٨.
(٢) سورة الزمر. الآية ٢٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١١٨.