ومنها : أن كل صفة له ـ تعالى ـ في أكمل المراتب ، فلو كان ـ سبحانه ـ ظالما ، كان ظلاما ، فنفى اللازم نفى للملزوم.
ومنها : أن نفى الظلام لنفى الظالم ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله ، فجعل نفى المبالغة كناية عن نفى أصله ، انتقالا من اللازم إلى الملزوم.
ومنها : أن العذاب من العظم بحيث لو لا الاستحقاق لكان المعذب بمثله ظلاما بليغ الظلم متفاقمه ، فالمراد تنزيهه ـ تعالى ـ وهو جدير بالمبالغة.
وفي صحيح مسلم عن أبى ذر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن الله ـ تعالى ـ يقول : «يا عبادي إنى حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا» (١).
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد بينتا حالة المشركين عند قبض أرواحهم بيانا يحمل النفوس على الإيمان والطاعة لله ـ تعالى ـ فقد رسم القرآن صورة مفزعة لهم ، صورة الملائكة وهي تضرب وجوههم وأدبارهم بأمر من الله ـ تعالى ـ الذي ما ظلمهم ، ولكنهم هم الذين أحلوا بأنفسهم هذا المصير المؤلم المهين ، حيث كفروا بالحق ، وحاربوا أتباعه ، واستحبوا العمى على الهدى ثم بين سبحانه ـ أن هؤلاء الكافرين عادتهم في كفرهم وطغيانهم كعادة من سبقهم من الأمم الظالمة وإن من سنة الله تعالى ـ في خلقه ألا يعاقب إلا بذنب ، وألا يغير النعمة إلا لسبب. فقال ـ تعالى :
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(٥٤)
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٨ ص ٣١٦.