أما منع تكريمهم في حياتهم فتراه في قوله ـ تعالى ـ في الآية السابقة :
(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا).
وأما منع تكريمهم بعد مماتهم فتراه في هذه الآية : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ).
ولا شك أن حجب كل تكريم عن أولئك المنافقين في العهد النبوي ، كان له أثره القوى في انهيار دولتهم ، وافتضاح أمرهم ، وذهاب ريحهم ، وتهوين شأنهم ..
هذا ، وما فعله الرسول صلىاللهعليهوسلم مع عبد الله بن أبى من الصلاة عليه ، والقيام على قبره إنما كان قبل نزول هذه الآية ..
أو أنه صلىاللهعليهوسلم فعل ذلك تطييبا لقلب ابنه الذي كان من فضلاء الصحابة وأصدقهم إسلاما.
فقد سبق أن ذكرنا ما رواه البخاري عن ابن عمر أنه قال : لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه ، فأعطاه إياه ثم سأله أن يصلى عليه .. الحديث.
ثم نهى الله ـ تعالى ـ كل من يصلح للخطاب عن الاغترار بما عند هؤلاء المنافقين من مال وولد ، فقال ـ تعالى :
(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ)(٨٥)
أى : عليك ـ أيها العاقل ـ أن لا تغتر بما عند هؤلاء المنافقين من أموال وأولاد ، وأن لا يداخل قلبك شيء من الإعجاب بما بين أيديهم من نعم ، فإن هذه النعم ـ التي من أعظمها الأموال والأولاد ـ إنما أعطاهم الله إياها ، ليعذبهم بسببها في الدنيا عن طريق التعب في تحصيلها ، والحزن عند فقدها وهلاكها.
وقوله : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) بيان لسوء مصيرهم في الآخرة ، بعد بيان عذابهم في الدنيا ، وزهوق النفس : خروجها من الجسد بمشقة وتعب.
أى : أنهم في الدنيا تكون النعم التي بين أيديهم ، مصدر عذاب لهم ، وأما في الآخرة