وقوله : (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) تعليل للنهى عن الصلاة عليهم ، والوقوف على قبورهم.
أى : نهيناك ـ يا محمد ـ عن ذلك ، لأن هؤلاء المنافقين قد عاشوا حياتهم كافرين بالله ورسوله ، ومحاربين لدعوة الحق ، وماتوا وهم خارجون عن حظيرة الإيمان.
وجمع ـ سبحانه ـ بين وصفهم بالكفر ووصفهم بالفسق زيادة في تقبيح أمرهم ، وتحقير شأنهم ؛ فهم لم يكتفوا بالكفر وحده ، وإنما أضافوا إليه الفسق ، وهو الخروج عن كل قول طيب ، وخلق حسن ، وفعل كريم.
قال بعضهم : فإن قلت : الفسق أدنى حالا من الكفر ، فما الفائدة في وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر؟ قلت إن الكافر قد يكون عدلا بأن يؤدى الأمانة ، ولا يضمر لأحد سوءا ، وقد يكون خبيثا كثير الكذب والمكر والخداع وإضمار السوء للغير ، وهذا أمر مستقبح عند كل أحد ، ولما كان المنافقون بهذه الصفة الخبيثة ، وصفهم الله ـ تعالى ـ بكونهم فاسقين بعد أن وصفهم بالكفر» (١).
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى :
١ ـ تحريم الصلاة على الكافر ، والوقوف على قبره ، ومفهومه وجوب الصلاة على المسلم ودفنه ومشروعية الوقوف على قبره ، والدعاء له.
قال الإمام ابن كثير : ولما نهى الله ـ تعالى ـ عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم ، كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين ، فشرع ذلك وفي فعله الأجر الجزيل ، كما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ، من شهدها حتى تدفن فله قيراطان ، قيل : وما القيراطان ، قال : «أصغرهما مثل أحد». وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات ، فروى أبو داود عن عثمان بن عفان قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا فرغ من الميت وقف عليه وقال : «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل».
٢ ـ وجوب منع كل مظهر من مظاهر التكريم ـ في الحياة وبعد الممات عن الذين يحاربون دعوة الحق ، ويقفون في وجه انتشارها وظهورها :
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٠٦ ـ بتصرف يسير.