وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)(١٩)
قوله ـ سبحانه ـ (زَحْفاً) : مصدر زحف وأصله للصبي ، وهو أن يزحف على استه قبل أن يمشى. ثم أطلق على الجيش الكثيف المتوجه لعدوه لأنه لكثرته وتكاتفه يرى كأنه جسم واحد يزحف ببطء وإن كان سريع السير.
قال الجمل : وفي المصباح : زحف القوم زحفا وزحوفا. ويطلق على الجيش الكثير زحف تسمية بالمصدر والجمع زحوف مثل فلس وفلوس. ونصب قوله : (زَحْفاً) على أنه حال من المفعول وهو (الَّذِينَ كَفَرُوا) أى إذا لقيتم الذين كفروا حال كونهم زاحفين نحوكم.
والأدبار : جمع دبر ـ بضمتين ـ وهو الخلف ، ومقابله القبل وهو الأمام ، ويطلق لفظ الدبر على الظهر وهو المراد هنا.
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله إيمانا حقا (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) زاحفين نحوكم لقتالكم (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) أى. فلا تفروا منهم ، ولا تولوهم ظهوركم منهزمين ، بل قابلوهم بقوة وغلظة وشجاعة ، فإن من شأن المؤمن أن يكون شجاعا لا جبانا ، ومقبلا غير مدبر.
فالمراد من تولية الأدبار : الانهزام ، لأن المنهزم يولى ظهره وقفاه لمن انهزم منه.
وعدل من لفظ الظهور إلى الأدبار ، تقبيحا للانهزام ، وتنفيرا منه ، لأن القبل والدبر يكنى بهما عن السوءتين.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن تولية الأدبار محرمة إلا في حالتين فقال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
وقوله : (مُتَحَرِّفاً) من التحرف بمعنى الميل والانحراف من جهة إلى جهة بقصد المخادعة في القتال وهو منصوب على الحالية.
وقوله (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) من التحيز بمعنى الانضمام. تقول : حزت الشيء أحوزه إذا ضممته إليك. وتحوزت الحية أى انطوت على نفسها.
والفئة : الجماعة من الناس. سميت بذلك لرجوع بعضهم إلى بعض في التعاضد