والتناصر. من الفيء بمعنى الرجوع إلى حالة محمودة.
والمعنى : أن تولية الأدبار محرمة إلا في حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون المؤمن عند توليته الأدبار مائلا عن مكانه إلى مكان آخر أصلح للقتال فيه ، أو أن يكون منعطفا إلى قتال طائفة من الأدبار أهم من الطائفة التي أمامه ، أو أن يوهم عدوه بأنه منهزم أمامه استدراجا له ، ثم يكر عليه فيقتله.
الحالة الثانية : أن يكون في توليه منحازا إلى جماعة أخرى من الجيش ومنضما إليها للتعاون معها على القتال ، حيث إنها في حاجة إليه.
وهذا كله من أبواب خدع الحرب ومكايدها.
وقد توعد ـ سبحانه ـ الذي ينهزم أمام الأعداء في غير هاتين الحالتين بقوله : (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
أى : ومن يول الكافرين يوم لقائهم دبره غير متحرف ولا متحيز فقد رجع متلبسا بغضب شديد كائن من الله ـ تعالى ـ ومأواه الذي يأوى إليه في الآخرة جهنم وبئس المصير هي.
وقوله : (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ..) جواب الشرط لقوله ، ومن يولهم.
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى :
١ ـ وجوب مصابرة العدو ، والثبات في وجهه عند القتال ، وتحريم الفرار منه.
قال الآلوسى : في الآية دلالة على تحريم الفرار من الزحف على غير المتحرف أو المتحيز.
أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اجتنبوا السبع الموبقات ـ أى المهلكات ـ قالوا : يا رسول الله وما هن قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
ثم قال : وجاء عد ـ التولي يوم الزحف ـ من الكبائر في غير ما حديث (١).
٢ ـ أن الخطاب في الآيتين لجميع المؤمنين وليس خاصا بأهل بدر. قال الفخر الرازي ما ملخصه : اختلف المفسرون في أن هذا الحكم ـ وهو تحريم التولي أمام الزحف ـ هل هو مختص بيوم بدر أو هو حاصل على الإطلاق؟
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٢٨.