سبحانه ، نص على أن تثاقلهم عن الجهاد أمر منكر ، ولو لم يكن الجهاد واجبا لما كان هذا التثاقل منكرا. وليس لقائل أن يقول : الجهاد إنما يجب في الوقت الذي يخاف هجوم الكفار فيه ، لأنه عليهالسلام ، ما كان يخاف هجوم الروم عليه ، ومع ذلك فقد أوجب الجهاد معهم .. وأيضا هو واجب على الكفاية ، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين. والخطاب في الآية للمؤمنين الذين تقاعسوا في الخروج إلى غزوة تبوك مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (١).
ثم هددهم ، سبحانه ، بالعذاب الأليم ، إن لم ينفروا للجهاد في سبيله فقال (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ، وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً).
أى : (إِلَّا تَنْفِرُوا) ، أيها المؤمنون ، للجهاد كما أمركم رسولكم (يُعَذِّبْكُمْ) الله (عَذاباً أَلِيماً) في الدنيا بإنزال المصائب ، بكم ، وفي الآخرة بنار جهنم.
وقوله : (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أى : ويستبدل بكم قوما يطيعون رسوله في العسر واليسر ، والمنشط والمكره .. كما قال ، : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ).
قال صاحب المنار : قيل المراد بهؤلاء القوم : أهل اليمن ، وقيل أهل فارس وليس في محله ، فإن الكلام للتهديد ، والله يعلم أنه لا يقع الشرط ولا جزاؤه.
وإنما المراد يطيعونه ـ سبحانه ـ ويطيعون رسوله ، لأنه قد وعده بالنصر ؛ وإظهار دينه ، فإن لم يكن هذا الإظهار بأيديكم. فلا بد أن يكون بأيدى غيركم (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ).
وقد مضت سنته ـ تعالى ـ بأنه لا بقاء للأمم التي تتثاقل عن الدفاع عن نفسها وحفظ حقيقتها وسيادتها ، ولا تتم فائدة القوة الدفاعية والهجومية إلا بطاعة الإمام ، فكيف إذا كان الإمام والقائد هو النبي الموعود من ربه بالنصر .. (٢).
والضمير في قوله (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) يعود إلى الله ، تعالى.
أى : إن تباطأتم «أيها المؤمنون» عن الجهاد ، يعذبكم الله عذابا أليما ويستبدل بكم قوما سواكم لنصرة نبيه ، ولن تضروا الله شيئا من الضرر بسبب تقاعسكم. لأنكم أنتم الفقراء إليه ، وهو ، سبحانه ، الغنى الحميد.
وقيل : الضمير يعود للرسول ، صلىاللهعليهوسلم أى : ولا تضروا الرسول شيئا ما من الضرر بسبب تثاقلكم عن الجهاد ، لأن الله قد وعده بالنصر ووعده كائن لا محاله.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ـ بتصرف وتلخيص ـ ج ١٦ ص ٦٠.
(٢) تفسير المنار ج ١٠ ص ٥٩٥ ـ بتصرف وتلخيص.