(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)(٣٥)
قال الفخر الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما وصف رؤساء اليهود والنصارى بالتكبر والتجبر وادعاء الربوبية والترفع على الخلق ، وصفهم في هذه الآية بالطمع والحرص على أخذ أموال الناس ، تنبيها على أن المقصود من إظهار تلك الربوبية والتجبر والفخر ، أخذ أموال الناس بالباطل.
ولعمري من تأمل أحوال أهل الناموس والتزوير في زماننا وجد هذه الآيات كأنها ما أنزلت إلا في شأنهم ، وفي شرح أحوالهم ، فترى الواحد منهم يدعى أنه لا يلتفت إلى الدنيا ، ولا يتعلق خاطره بجميع المخلوقات ، وأنه في الطهارة والعصمة مثل الملائكة المقربين ؛ حتى إذا آل الأمر إلى الرغيف الواحد تراه يتهالك عليه ؛ ويتحمل نهاية الذل والدناءة في تحصيله (١).
والمراد بالأكل في قوله ؛ (لَيَأْكُلُونَ) مطلق الأخذ والانتفاع.
وعبر عن ذلك بالأكل ، لأنه المقصود الأعظم من جمع الأموال ، فسمى الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده ، على سبيل المجاز المرسل ، بعلاقة العلية والمعلولية. وأكلهم أموال الناس بالباطل ، يتناول ما كانوا يأخذونه من سفلتهم عن طريق الرشوة والتدليس أو التحايل أو الفتاوى الباطلة. كما يتناول ما سوى ذلك مما كانوا يأخذونه بغير وجه حق.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ٤١.