وأخرج أيضا عن عدى بن حاتم قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا عدى أسلم تسلم» ، فقلت يا رسول الله : إنى من أهل دين. قال : «أنا أعلم بدينك منك ، فقلت : أنت أعلم بديني منى؟ قال نعم ، ألست من الركوسية (١) ، وأنت تأكل مرباع قومك» (٢).
قلت : بلى. قال : «فإن هذا لا يحل لك في دينك».
ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «أما إنى أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ، ومن لا قوة له ، ومن رمتهم العرب ، أتعرف الحيرة»؟
قلت : لم أرها وقد سمعت بها.
قال : «فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر ، حتى تخرج الظعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز».
قلت : كسرى بن هرمز؟ قال : «نعم. كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد».
قال عدى بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد. ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد قالها (٣).
وإلى هنا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد كذبت أهل الكتاب في قولهم «عزير ابن الله والمسيح ابن الله» ، وأرشدتهم إلى الطريق الحق الواضح المستقيم ليسيروا عليه ، ووبختهم على تشبههم في هذه الأقوال الباطلة بمن سبقهم من الضالين ، وعلى انقيادهم لأحبارهم ورهبانهم بدون تعقل أو تدبر ، وبشرت المؤمنين بظهور دينهم الذي ارتضاه الله لهم على الأديان كلها.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الحديث عن أهل الكتاب بتوجيه نداء إلى المؤمنين بين لهم فيه بعض الرذائل التي انغمس فيها الأحبار والرهبان ، وكيف جمعوا بين ضلال أنفسهم وإضلال أتباعهم ، حيث أمروا هؤلاء الأتباع بالانقياد لهم فيما يأتون ويذرون ... فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) الركوسية «بفتح الراء المشددة» قوم لهم دين بين النصارى والصابئين.
(٢) المرباع بمعنى الربع ، كالمعشار بمعن العشر. وكان الناس في الجاهلية يعطون رئيسهم ربع ما يغنمونه خالصا له دون أن يشاركه فيه أحد. وكان عدى رئيسا لقومه.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٤٩.