ألم تر عبدا عدا طوره |
|
ومولى عفا ورشيدا هدى |
أقلنى أقالك من لم يزل |
|
يقيك ، ويصرف عنك الردى (١) |
وقال القرطبي : قوله : ـ تعالى ـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) قيل : هو افتتاح كلام ؛ كما تقول : أصلحك الله وأعزك ورحمك كان كذا وكذا .. (٢).
والذي نراه أن القول الأول هو الراجح لما سبق أن بيناه.
ثم بين ـ سبحانه ـ الصفات التي يتميز بها المؤمنون الصادقون ، عن غيرهم من ضعاف الإيمان ، فقال ـ تعالى ـ :
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(٤٥)
أى : ليس من شأن المؤمنين الصادقين أن يستأذنوك ـ يا محمد ـ في (أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) في سبيل إعلاء كلمة الله ، ونصرة دينه .. وإنما الذي من شأنهم وعادتهم ـ كما أثبته واقعهم وتاريخهم ـ أن ينفروا خفافا وثقالا عند ما يدعو الداعي إلى الجهاد ، دون أن ينتظروا إذنا من أحد.
فهم لقوة إيمانهم ، وصفاء نفوسهم ، يسارعون إلى الجهاد بقلوب مشتاقة إليه ، وبنفوس تتمنى الموت عن طريقه.
وهم في ذلك ممتثلون لقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه ، كلما سمع هيعة ـ أى صيحة ـ وفزعا طار على متنه يبتغى
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٤٣.
(٢) تفسير القرطبي ج ٧ ص ١٥٤.