وقوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ...) تصوير للآثار الذميمة التي ترتبت على بخلهم وإعراضهم عن الحق والخير.
أى : فجعل الله ـ تعالى ـ عاقبة فعلهم نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم إلى يوم يلقونه للحساب ، فيجازيهم بما يستحقون على بخلهم وإعراضهم عن الحق.
فالضمير المستتر في «أعقب» لله ـ تعالى ـ وكذا الضمير المنصوب في قوله : «يلقونه».
ويصح أن يكون الضمير في «أعقب» يعود على البخل والتولي والإعراض ، فيكون المعنى : فأعقبهم وأورثهم ذلك البخل والتولي والإعراض عن الحق والخير ، نفاقا راسخا في قلوبهم ، وممتدا في نفوسهم إلى اليوم الذي يلقون فيه ربهم ، فيعاقبهم عقابا أليما على سوء أعمالهم.
والباء في قوله : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) للسببية.
أى : أن النفاق قد باض وفرخ في قلوبهم إلى يوم يلقون الله ـ تعالى ـ ، بسبب إخلافهم لوعودهم مع خالقهم ، وبسبب استمرارهم على الكذب ، ومداومتهم عليه.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات الكريمة ، بتوبيخهم على إصرارهم على المعاصي ، مع علمهم بأنه ـ عزوجل ـ عليم رقيب عليهم ، ومطلع على أحوالهم فقال : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ، وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
أى : ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله ـ تعالى ـ يعلم ما يسرونه في أنفسهم من نفاق ، وما يتناجون به فيما بينهم من أقوال فاسدة ، وأنه ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ بلى إنهم ليعلمون ذلك علم اليقين ، ولكنهم لاستيلاء الهوى والشيطان عليهم ، لم ينتفعوا بعلمهم.
فالاستفهام في قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا ..) للتوبيخ والتهديد والتقرير ، وتنبيهم إلى أن الله عليم بأحوالهم ، وسيجازيهم عليها.
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :
١ ـ وجوب الوفاء بالعهود ، فإن نقض العهود ، وخلف الوعد ، والكذب كل ذلك يورث النفاق ، فيجب على المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه ، فإذا عاهد الله في أمر فليجتهد في الوفاء به.
ومذهب الحسن البصري ـ رحمهالله ـ أنه يوجب النفاق لا محالة ، وتمسك فيه بهذه الآية