جاء به محمد ، فقتلوا جميعا يوم بدر.
وهذا لا يمنع أن الآية الكريمة يشمل حكمها جميع المشركين والمنافقين ، إذ العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب.
والمعنى : إن شر ما يدب على الأرض (عِنْدَ اللهِ) أى : في حكمه وقضائه ، هم أولئك (الصُّمُ) عن سماع الحق (الْبُكْمُ) عن النطق به (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أى لا يعقلون التمييز بينه وبين الباطل.
ووصفهم ـ سبحانه ـ بذلك مع أنهم يسمعون وينطقون ، لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس ، بل استعملوها فيما يضر ويؤذى ، فكان وجودها فيهم كعدمها.
وقدم الصمم على البكم ، لأن صممهم عن سماع الحق متقدم على بكمهم فإن السكوت عن النطق بالحق من فروع عدم سماعهم له ، كما أن النطق به من فروع سماعه.
وقوله (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) تحقيق لكمال سوء حالهم ، لأن الأصم الأبكم إذا كان له عقل ربما فهم بعض الأمور .. أما إذا كان بجانب صممه وبكمه فاقد العقل ، فإنه في هذه الحالة يكون قد بلغ الغاية في سوء الحال ..
قال صاحب المنار : وقوله : (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أى : فقدوا فضيلة العقل الذي يميز بين الحق والباطل والخير والشر ، إذ لو عقلوا لطلبوا ، ولو طلبوا لسمعوا وميزوا ، ولو سمعوا لنطقوا وبينوا ، وتذكروا وذكروا .. فهم لفقدهم منفعة العقل والسمع والنطق صاروا كالفاقدين لهذه المشاعر والقوى .. بل هم شر من ذلك لأنهم أعطيت لهم المشاعر والقوى فأفسدوها على أنفسهم لعدم استعمالها فيما خلقها الله لأجله ، فهم كما قال الشاعر :
خلقوا ، وما خلقوا لمكرمة |
|
فكأنهم خلقوا وما خلقوا |
رزقوا وما رزقوا سماح يد |
|
فكأنهم رزقوا وما رزقوا |
ولم يصفهم هنا بالعمى كما وصفهم في آية الأعراف وآيتي البقرة ، لأن المقام هنا مقام تعريض بالذين ردوا دعوة الإسلام ، ولم يهتدوا بسماع آيات القرآن» (١).
وقوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ...) بيان لما جبلوا عليه من إيثار الغي على الرشد ، والضلالة على الهداية.
أى : ولو علم الله ـ تعالى ـ في هؤلاء الصم البكم (خَيْراً) أى : استعدادا للإيمان ورغبة فيما يصلح نفوسهم وقلوبهم (لَأَسْمَعَهُمْ) سماع تفهم وتدبر ، أى : لجعلهم سامعين للحق ، ومستجيبين له ، ولكنه ـ سبحانه ـ لم يعلم فيهم شيئا من ذلك ، فحجب خيره عنهم بسبب سوء استعدادهم.
__________________
(١) تفسير المنار ج ٩ ص ٥٧٨.